للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حديث (لا يهين المرأة إلا اللئيم) لا يثبت

[السُّؤَالُ]

ـ[هل هذا الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أدري بالضبط صيغة الحديث، ما أعرفه أنه هكذا: الحديث (لا يكرم المرأة إلا الكريم , ولا يهين المرأة إلا اللئيم , ولا يغلبن إلا الكريم , ولا يغلبهن إلا اللئيم، وأنا أريد أن أكون - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - مغلوبا أي كريما، وليس غالبا أي لئيما)

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا نَعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل هذا الكلام بهذا اللفظ، ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين، وإنما يُروَى في ذلك شيءٌ قريب من اللفظ المذكور، ولكنه أيضا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا بيان ذلك:

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (١٣/٣١٣) وعنه ابن أخيه في "الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين" (١٠٩)

وهذا سند ابن عساكر:

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، أخبرني القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي العجائز، حدثني أبي، وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد، أنا جدي أبو عبد الله، أنا مسدد بن عبد الله الحمصي قالا: نا أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف بن يعقوب الربعي، نا أبو بكر وأبو القاسم محمد وعامر ابنا خريم بن محمد، قالا نا أبو عبد الغني الحسن بن علي بن عيسى الأزدي، نا عبد الرزاق بن همام، أنا إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن داود بن الحصين، عن عكرمة بن خالد، عن علي بن أبي طالب به.

يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (٨٤٥) :

" موضوع. وهذا إسناد واهٍ بِمَرَّة، وفيه علل:

١ - داود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة كما قال الحافظ في "التقريب ومستنده قول ابن المديني: " ما رواه عن عكرمة فمنكر ". وكذا قال أبو داود.

٢- إبراهيم الأسلمي: كذاب كما قال يحيى القطان وابن معين وابن المديني، وروى أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (٣٤/١) بسند صحيح عن يحيى بن سعيد قال: " لم يُترك إبراهيم بن أبي يحيى للقدر، وإنما للكذب " وقال ابن حبان (١/٩٢) : " كان يرى القدر ويذهب إلى كلام جهم، ويكذب مع ذلك في الحديث "

٣- أبو عبد الغني الأزدي: متهم بالوضع، وفي ترجمته ساق ابن عساكر هذا الحديث، وقال فيها: " وكان ضعيفا ". ثم روى عن أبي نعيم أنه قال: " حدث عن مالك أحاديث موضوعة ". وكذا قال الحاكم، ثم تعقب ابن عساكر أبا نعيم بقوله: " ولا أعلم روى عن مالك ولا أدركه "

قلت – القائل هو الشيخ الألباني رحمه الله -: وهو إنما يروي عن مالك بواسطة عبد الرزاق، وقد ساق له الدارقطني من هذا الوجه حديثا وقال: " باطل، وضعه أبو عبد الغني على عبد الرزاق " وكذا رواه ابن عساكر في ترجمته، لكن قد ساق له ابن حبان (١/٢٣٥) حديثا آخر، صرح فيه بقوله: " حدثنا مالك " فهو من أكاذيبه عليه. وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات، لا تحل الرواية عنه بحال " " انتهى باختصار.

وفيما ورد في إكرام النساء والإحسان إليهن من الأحاديث الصحيحة الكثيرة غُنيةٌ عن هذا الحديث المنكر، وهي – بلا شك – أبلغ عبارة وأوفى بيانا وأعظم أثرا من كل مروي ضعيف أو مكذوب:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (٣٣٣١) ومسلم (١٤٦٨)

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (٣٨٩٥) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وفي "السلسلة الصحيحة" (١١٧٤)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ) رواه أحمد (٢/٤٣٩) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" (١٤٦) ومحققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (١٠١٥)

يقول المناوي في "فيض القدير" (١/١٦٦) في شرح الحديث الأخير:

" بأن تعاملوهما برفق وشفقة، ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه، ولا تقصروا في حقهما الواجب والمندوب، وَوَصَفَهُمَا بالضعف استعطافا وزيادة في التحذير والتنفير، فإن الإنسان كلما كان أضعف كانت عناية الله به أتم، وانتقامه من ظالمه أشد " انتهى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>