وقفات مع كتب ودورات " تطوير الذات " ومثيلاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اقتناء أو قراءة الكتب التي تُعنى بمواضيع " تطوير الشخصية " و " رفع الثقة بالنفس " و " قواعد السلوك "، وغيرها، علماً أن بعض هذه الكتب يحتوي على بعض التمارين التي يُطلب من القارئ أن يتبعها لتطوير مهارة محددة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثمة اختلاف بين الكتب المؤلفة في " تطوير الذات " و " قواعد السلوك " و " فن الإدارة " وما يشبهها وبين الكتب المتعلقة بـ " البرمجة العصبية "، والثانية فيها من المبالغات والمخالفات، ما استحق التحذير منها بالكلية، وأما الكتب المتعلقة بالمواضيع الأولى: فإنها تحتوي على سلبيات، وإيجابيات
، ونذكر أولاً أنه قد صدر كتاب في " أميركا " – مصدر الكتب المؤلفة في تلك المواضيع – يفضح هذه الفكرة، ويبين عوارها، ويأتي بالأدلة الدامغة على فشلها، والكتاب صدر في عام ٢٠٠٥ م ويحمل عنوانًا طريفًا كاشفًا SHAM: How the Self-Help Movement Made America Helpless، وترجمته: " كيف صيرتْ حركةُ مساعدة الذات أمريكا عاجزة "، والمؤلف هو الكاتب الصحفي المعروف " ستيف ساليرنو " Steve Salerno، وقد عرضت مجلة " المعرفة " تقريراً عن الكتاب، وسيتم الإحالة على بعض مواضع منه، ويتم الإحالة على التقرير كاملاً.
ثانياً:
أما ما يوجد من ملاحظات سلبية على تلك الكتب:
١. أنها بمثابة مخدِّر ليتم الإدمان على شرائها، وليس لها واقع عملي ملموس، لا في أغلب حياة أفراد المجتمع، ولا في الدول نفسها.
جاء في تقرير كتاب " ستيف ساليرنو ":
والكاتب يلخص وجهة نظره في سؤال ذكي هو: إذا كانت هذه الكتب تساعد الناس - كما يزعم مؤلفوها - على الارتقاء، والاستغلال الأمثل لطاقاتهم الجسمية والعقلية، وإذا كانت هذه الدورات تأخذ بأيديهم إلى السعادة، وتوفر لهم الحلول لمشاكلهم: فلماذا ما زالوا يصطفون في طوابير لشراء آخر ما يصدر من كتب تطوير الذات؟ ولماذا يواصلون حضور هذه الدورات؟ أليس من المفترض أنهم قد أفادوا من هذا الكتاب وتعلموا من ذاك المتحدث؟ فلماذا هذا السعي المحموم لالتهام ما تقذف به المطابع من جديد الكتب؟ ألم يحفظوا عن ظهر قلب وصفة النجاح، وينتقلوا إلى المحطة التالية، حيث النجاح والسعادة؟ .
انتهى
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=١٠٥&Itemid=٢
والمقال حري بالقراءة فيه تلخيص نافع للكتاب.
وللأسف فإن هذا هو الواقع عندنا في عالمنا العربي والإسلامي، فدروة في إثر دورة، وكتاب يعقبه كتاب، والقراء هم القراء، ولا نرى أثر تلك الدورات والكتب على المجتمع بأفراده وأسَره، بينما نرى النجاح الملموس ـ بفضل الله ـ للدعاة على المنابر، والعلماء على الفضائيات، ونرى أثر كلامهم في تغيير حياة الناس إلى الأفضل، وتصحيح اعتقاداتهم للحق والصواب.
٢. أغلب مؤلفي هذه الكتب هم – في الأصل - من الكفار، وهي مترجمة بالعربية، ولا شك أن اختلاف الدين والثقافة والسلوك، يظهر في تلك الكتب في أصلها، وفي ترجمتها.
ويظهر أثر ذلك في مواضع:
١. الخلل في الترجمة، وعدم إعطاء النص الأصلي عمقه وقوته إن كان الكلام فيه صواب، فتجد المبالغة والتهويل في النص العربي.
٢. يستشهد مؤلفو تلك الكتب بأقوالٍ لكفارٍ مثلهم، ومع كثرة القراءة لهم، وقراءة تعظيمهم والثناء عليهم: يتحول أمثال أولئك إلى رموز وقدوات، تحفظ مقولاتهم وتردد، وتكون منطلقاً لفهم الحياة، والتعامل مع الآخرين.
٣. ترك الكتاب كما هو، بما يحوي من خلل شرعي ومخالفات، ومن أمثلته:
أ. كتاب " مئة سر بسيط من أسرار السعداء " من تأليف " ديفيد نيفن "، تعريب: ابتسام الخضراء فيه قوله:
" زيادة العوامل المشتركة بين الزوجين يزيد السعادة الزوجية، ويُذكر أن هناك زوجين جدَّدا عهد زواجهما على ارتفاع ثلاثة آلاف قدم! قبل خروجهما من الطائرة لرياضة القفز بالمظلات، تشاركهما لهذه الرياضة جعلهما يتشاركان السعادة مع بعض، فزادت سعادتهما من بعضهما، وسبحان الله السعادة من الأشياء القليلة جدّاً التي تزيد بالمشاركة، والشكر لله على ذلك "! .
انتهى
فانظر لهذا التعليم، وهذا المثال، وانظر كم فيه من مخالفة للشرع.
ب. كتاب " كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس " لمؤلفه " ديل كارنيجي ".
وكلمة " الأصدقاء " تشمل الذكور والإناث! وعلى غلاف الكتاب – الطبعة العربية التي رأيناها – صورة لمجموعة رجال ونساء، تعبيراً عن النجاح الذي سيحققه قارئ الكتاب.
وفي الكتاب:
- فصل " امنح الكلب اسماً محبَّباً "!!
- وفي التقدمة له ذُكر أن المؤلف كان " يُطعم الخنازير " التي كان يربي والده فصيلاً أصيلاً منها، ثم عمل بائعاً للحم الخنزير المدخَّن!!
٤. البُعد عن العلاج الديني للقلق، والكآبة، وعدم ذِكر الاعتماد على الله، والتوكل عليه، وتعظيم النفس وحدها أنها هي التي تفجر الطاقات، وتخرج كوامنها، وهذه السلبية مشتركة مع " البرمجة العصبية ".
سئل الدكتور عبد الغني مليباري – حفظه الله -:
الكثير علق فلها على فشل ديل كارنيجي صاحب كتب " دع القلق "، و " كيف تكسب الأصدقاء " الذي مات منتحراً! كيف تربط ذلك الفشل بالبرمجة؟ .
فأجاب:
الفارق بين ما قدمه " ديل كارنيجي " وبين ما تقدمه البرمجة كبير جدّاً، من حيث الصحة، فـ " ديل كارنيجي " قدّم كثيراً من الأفكار المستنبطة بالعقل والنظر، ولكنها ليست كفيلة أبداً بمنح صاحبها سعادة وطمأنينة، ما لم تخالط بشاشة الإيمان قلبه، ومن هنا فالذي: يربط بينهما ربما باعتبار أنه لا يصلح أن يكون الحائر الضال مرشداً ومدرَّباً في أمور القلوب، وتزكية النفوس، وصدق ابن مسعود رضي الله عنه إذ قال: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء إنهم لن يهدوكم وقد ضلوا "، فكيف يهتدي المسترشد والدليل حائر؟!
" المجلة العربية "، عدد رقم (٣٢٢) ، السنة ٢٨، تاريخ ذو القعدة ١٤٢٤ هـ.
وصدق الشاعر العربي إذ يقول:
أَعمى يَقودُ بَصيراً لا أَبا لَكُمُ قَد ضَلَّ مَن كانَتِ العُميانُ تَهديهِ
٥. تحمل تلك الكتب عناوين برَّاقة، خادعة، من أجل الكسب المادي في شرائها، مثل " التطوير الذاتي والنجاح السريع "، " أيقظ العملاق داخلك "، و " تعلم الاستثمار في خمس دقائق "! ، و " قدرات غير محدودة "، و " الحمية السريعة "، و " كيف تسيطر على الآخرين ".
وفي داخلها، أو على أغلفتها يُكتب: " انتبه، هذا الكتاب سيغيِّر مجرى حياتك "، " لقد غيَّر هذا الكتاب على وجه التحديد حياة ملايين الأشخاص حول العالم بعد أن كانوا من المهمشين الضائعين في عالمنا ".
وليس يراد من ذلك إلا إغراء السذَّج من الناس للإقبال على شراء تلك الكتب، حتى إنه ليعتقد أنه إن لم يفعل ليكونن من الفاشلين.
قال " ستيف ساليرنو ":
" ما زال يُضخ سنويّاً عددٌ هائل من الكتب في هذا المجال، ففي عام ٢٠٠٣ م فقط: صدر ما بين ٣٥٠٠ و ٤٠٠٠ كتاب من كتب " المساعدة الذاتية "! ، أي: أكثر من عشرة كتب يوميّاً، أليس هذا عددًا هائلًا من الكتب التي تصدر في فرع واحد؟! بل وفقًا لـ " ماركتداتا إنتربرايزيز " Marketdata تمثل اليوم حركة تطوير الذات بكل أشكالها تجارة تبلغ ٨.٥٦ بليون دولار! ، وقد كانت لا تزيد عن ٥.٧ بليون دولار عام ٢٠٠٠ م، وتتوقع " ماركتداتا " أن تبلغ ١٢ بليون دولار عام ٢٠٠٨ م، وهكذا لم يعد من المستغرب أن نجد أتباع هذه الحركة ومريديها يخزنون هذه الكتب في مكتبات المنزل، وخزائن المطبخ، وحقائب الرياضة، حتى في السرير؛ لتضمن لقرائها أحلاماً سعيدة، قد يلتقون فيها مع الدكتور " فيل "! أو " أنتوني روبينز " في مملكة السعادة الأرضية، حيث لا همّ، ولا نصب "! .
انتهى
وقد اعتقد بعضهم أن النجاح هو في اقتناء تلك الكتب! لا في تطبيقها في واقع الحياة، فصار التنافس بينهم على شراء الجديد، والسبق في القراءة دون التطبيق.
٦. النظريات المبثوثة في تلك الكتب قائمة على المادية المجردة من الحياة، والدِّين، مثل: تقنيات الإدارة التي تؤصل لعبودية المرؤوسين للرؤساء، والموظفين للمدراء، أو مثل وسائل الإقناع والتأثير على الآخرين، والتي ينتج عنها التغرير بالمستهلكين للشراء، أو البيع، أو التأجير.
٧. تحويل الدورات لتجارة، بأخذ مبالغ كبيرة، وعدم إتقان العمل؛ بسبب بذل قليل من الوقت، وعدم قيام أكفاء على إعطائها.
٨. إدخال البرمجة العصبية فيها، بتكرار جملة معينة، أو مخاطبة اللاوعي! والاسترخاء.
قالت الدكتورة فوز كردي – حفظها الله – تخاطب سائلة عن دورات " تطوير الذات ":
لأهمية التدريب: تصدَّى له كثيرون تجارةً، فتري - وللأسف - دورة " القبعات الست " و " الذكاءات الثمانية "، و " الخرائط الذهنية "، وغيرها من الدورات الجيدة قد أصبحت عندما قدمها المبرمجون وجهاً جديداً للبرمجة، ومفاهيم اللاوعي والاسترخاء والتنويم، وغيرها، كما أنها مختصرة، وسريعة، لا تدرب على مهارة، ولا تتوجه لأهداف تنمية التفكير والتربية.
ومن هنا: أرى المسؤولية تتضاعف على المسؤولين - أمثالكم - لفحص محتوى الدورة، وسيرة المدرب، فلا يعطي دورة إلا من هو متخصص في مجالها، مشهود له بذلك عند أهل التخصص، لا عند الحضور الأغرار، الذين يصفقون لأي مدرب، ويسطرون شهادتهم له بالإبداع و ... و ... .
وانظري إلى المستشفيات: لن تجدي المجال مفتوحاً لكل من يزعم أنه يعالج، فلم نسمح نحن لجميع الأدعياء بأن يخترقوا ساحة التربية والتعليم، ويتصدروا ليدربوا المعلمين والمعلمات، والمشرفين والمشرفات، غير ناظرين في تخصصاتهم، وصحة ما يدَّعون من شهادات، أو إجازات، ونحوه.
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=٨٩&Itemid=٢
وأخيراً:
انظر النقد العلمي لأشهر كتاب في تلك المواضيع، وهو كتاب " السر وقانون الجذب "، وذلك في جواب السؤال رقم (١١٢٠٤٣) .
ثالثاً:
أما الملاحظات الإيجابية: فنرى أنها قليلة في كتب الكفار؛ بسبب اعتقادهم، ومنهجهم في الحياة، وبسبب سلوكهم، ونرى أنه يمكن الاستفادة من كتب الدعاة، وطلبة العلم في هذا الباب، ممن عرفوا بحسن المعتقد، وصواب المنهج، لا أولئك المقلدة للغرب، والمنبهرين بكتاباتهم.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب