للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم بيع المنزل المرهون للصندوق العقاري

[السُّؤَالُ]

ـ[والدي توفي رحمة الله وقبل وفاته كان لديه منزل كان قد باعه وكان على هذا المنزل قرض صندوق التنمية العقاري (مرهون للبنك العقاري) وكان قد اتفق مع المشتري على أن يتولى الأخير سداد المبلغ المتبقي من القرض وقد تم ذلك كما هو معلوم بدون علم صندوق التنمية العقاري وبعد وفاة الوالد بفترة علمنا أن المشتري سدد تقريباً قسطين فقط وقام ببيعها بنفس الكيفية وان المشتري الجديد لم يقم بتسديد أي قسط حتى تاريخه وتراكمت الأقساط والمطلوب الآن لصندوق التنمية ٢٠٠.٠٠٠ ريال فهل على ذمة والدي شي الآن؟ مع العلم أن والدي وقت البيع أنقص من قيمة المنزل في وقت البيع ما يوازي المبلغ المتبقي للبنك العقاري.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، فإذا لم يقبض المرتهن (وهو البنك) الرهن (وهو المنزل) لم يكن الرهن لازماً، وجاز للراهن (وهو والدك) التصرف فيه بالبيع وغيره.

قال ابن قدامة رحمه الله: " (ولا يصح الرهن إلا أن يكون مقبوضا من جائز الأمر) يعني لا يلزم الرهن إلا بالقبض، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي " انتهى من "المغني" (٤/٢١٦) .

وقال البهوتي في "كشاف القناع" (٣/٣٣٢) : "ولو أذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن ثم تصرَّف الراهن قبل القبض نفذ تصرفه لعدم اللزوم بعد القبض" انتهى بتصرف.

هذه هي القاعدة العامة في الرهن عند جمهور الفقهاء، لكن ما يجري عليه العمل مع الصندوق العقاري فيه زيادة اتفاق على أن الراهن لا يتصرف في المنزل ببيع أو غيره، فيلزم الوفاء بالشرط.

وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه لا يجوز بيع البيت المرهون للبنك العقاري لأمرين: وجود الشرط المشار إليه، وأن الرهن يلزم بدون قبضٍ عنده رحمه الله.

فقد سئل رحمه الله: نحن مجموعة من المواطنين أتيحت لنا فرصة الاقتراض من البنك العقاري ونريد أن نبيع أملاكنا التي قد رهنها البنك العقاري بشرط أن يلتزم المشتري بتسديد ما في ذممنا للبنك فهل يجوز لنا التصرف في البيع وإذا لم يجز فما هو المخرج أو الحل من ذلك؟

فأجاب: "يجوز لكم أن تتصرفوا فيها بالبيع بشرط أن يأذن لكم المسؤولون في صندوق التنمية، فإذا أذنوا لكم فلا حرج، أو بطريقة أخرى وهي أن توفوا الصندوق حتى يتحرر العقار من الرهن، فإذا تحرر العقار من الرهن فلا بأس ببيعه حينئذٍ لأنه لا حق لأحد فيه، أما إذا لم يأذن الصندوق بالتصرف فيه بالبيع ولم تفكوا رهنه بإيفاء فإنه لا يحل لكم أن تبيعوه. أولاً: لأنه مرهون والمرهون مشغول بحق الراهن ولا يجوز بيعه؛ لأن ذلك يكون سبباً لمشاكل كثيرة ربما يضيع حق الصندوق بمثل هذا التصرف.

وثانياً: لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالوفاء بالعقود فقال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود) وأمر بالوفاء بالعهد فقال: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) وأنت قد عقدت مع الصندوق عقداً مقتضاه أن لا تتصرف في هذا الرهن بدون إذنه، ثم إنه زيادة على ذلك قد اشُترط في وثيقة العقد مع الصندوق في إحدى المواد أن المستفيد لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره، وهذا الشرط قد قبله الراهن صاحب العقار ووقع عليه والتزم به فيجب عليه أن يوفي بما التزم به، فالوفاء للصندوق بما التزمت به شرطاً وبما يلزمك شرعاً أمر واجب عليك؛ لأنك سوف تسأل عنه. وأما من تساهل في ذلك وباعه بحجة أن جمهور العلماء يرون أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وأن هذا العقار ليس مقبوضاً من قبل الصندوق لأنه بيد صاحبه فهذا التساهل فيه نظر من وجهين:

الوجه الأول: أن هذا الراهن قد التزم شرطاً على نفسه وهو أنه لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره، فهو قد التزم بذلك ولو فرضنا أن هذا ليس مقتضى الرهن المطلق إذا لم يُقبض، فإن هذا التزام شرط لا ينافي الكتاب ولا السنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ومفهومه كل شرط لا يخالف كتاب الله فهو حق وثابت وفي الحديث الذي في السنن المشهور (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) .

الوجه الثاني: أن القول الصحيح في هذه المسألة أن الرهن يلزم ولو بدون القبض إذ لا دليل على وجوب قبضه إلا قوله تعالى: (وَإِنْ كُنُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي الحقيقة إن هذه الآية يرشد الله فيها الإنسان إلى التوثق من حقه في مثل هذه الحال إذا كان على سفر ولم يجد كاتباً ولا طريقة إلى التوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا برهن مقبوض لأنه لو ارتهن شيئاً ولم يقبضه لكان يمكن أن ينكر الراهن ذلك الرهن كما أنه يمكن أن ينكر أصل الدين، ومن أجل أنه يمكن أن ينكر أصل الدين أرشد الله تعالى إلى الرهن المقبوض فإذن لا طريق للتوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا إذا كان الرهن مقبوضاً، ثم إن آخر الآية يدل على أنه إذا لم يُقبض وجب على من اؤتمن عليه أن يؤدي أمانته فيه لأنه قال: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) فإذا كان كذلك فإن المرتهن قد أمن الراهن بإبقائه عنده، فإذا كان قد ائتمنه فإن واجب الراهن أن يؤدي أمانته وأن يتقي الله ربه، ثم إن عمل الناس عندنا على هذا، فإن صاحب البستان يستدين لتقويم بستانه، وبستانه بيده، وصاحب السيارة يرهن سيارته وهي في يده يكدها وينتفع بها، وكذلك صاحب البيت يرهنه لغيره وهو ساكنه، والناس يعدون هذا رهناً لازماً ويرون أنه لا يمكن للراهن أن يتصرف فيه بالبيع، فالقول الصواب في هذه المسألة أن الرهن يلزم وإن لم يقبض متى كان معيناً، وهذا العقار الذي استدين من صندوق التنمية له هو رهن معين قائم فالرهن فيه لازم وإن كان تحت يد الراهن، إذن فلا يجوز لمن استسلف من صندوق التنمية أن يبيع عقاره الذي استسلف له إلا في إحدى الحالين السابقين: أن يستأذن من المسؤولين في البنك ويأذنوا له، أو أن يوفي البنك ويحرر العقار من الرهن والله الموفق " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".

ثانيا:

حيث إن البيع قد تم، وجرى على ذلك مدة، وانتقل من يد المشتري إلى مشتر آخر، فالأظهر والله أعلم أن يقال بصحة البيع، أخذا بمذهب الجمهور، ولتعذر فسخه.

وعليه؛ فما دام والدك رحمه الله قد باع المنزل وأنقص من ثمنه قدر الدين الذي للبنك، فلم يتعمد الهرب من الدين، فلا يلحقه شيء إن شاء الله تعالى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>