الاستخارة في الأمور كلها
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما نسمع عن صلاة الاستخارة، لكن لا نعمل بها إلا في حالات نادرة. فهل هذا صحيح. أرجو توضيح ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الاستخارة وَجهٌ من أوجه تحقيق العبودية لله تعالى، تُعَلِّقُ قلب المسلم بالله عز وجل، وتخلصه من تَعَلقِه بالمخلوق.
وتحقيق ذلك في جميع تقلبات القلب والنفس هو غاية العبودية، وكمال التوكل، وذلك حين يستشعر العبد حاجته وفقره إليه سبحانه، فيجد لذته وطمأنينته في الركون إلى الخالق القادر المدبر، فلا يكاد يطرأ عليه حادث صغير أو كبير إلا ويلجأ إلى صلاة الاستخارة ليطلب الخيرة من الله عز وجل.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِى الأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ) رواه البخاري (٦٣٨٢)
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١١/١٨٤) :
" يتناول العمومُ العظيمَ من الأمور، والحقيرَ، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم " انتهى.
ويقول العيني في "عمدة القاري" (٧/٢٢٣) :
" قوله: (في الأمور كلها) : دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمراً لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم أو في تركه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله) " انتهى.
وبهذا يتبين أنَّ مِن الخطأ قصر الاستخارة على أحوال نادرة أو قليلة، بل الشأن في المسلم اللجوء إلى الله عز وجل واستخارته في جميع الأمور التي يتردد فيها، حتى إن زينب بنت جحش رضي الله عنها صلت الاستخارة حين عرض عليها الزواج بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعلق على ذلك النووي بقوله في "شرح مسلم" (٩/٢٢٤) :
" فيه استحباب صلاة الاستخارة لمن هَمَّ بأمر، سواء كان ذلك الأمر ظاهر الخير أم لا، وهو موافق لحديث جابر في صحيح البخارى قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها) ، ولعلها استخارت لخوفها من تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم " انتهى.
جاء في "لقاءات الباب المفتوح" للشيخ ابن عثيمين (لقاء رقم/٨٥، السؤال الأول) :
" السؤال:
فضيلة الشيخ! هل ركعتا الاستخارة مشروعة فقط في الأمر الذي لم تتبين فيه المصلحة، أم أنها تفعل في كل أمر يقدم عليه ولو كان ظاهره الخير، كإمامة مسجد، أو خطبة امرأة صالحة، وما شابه ذلك. أرجو التوضيح؟
فكان الجواب:
صلاة الاستخارة أن الإنسان إذا هم بأمر وتردد في عاقبته فإنه يستخير الله أي: يسأل الله خير الأمرين: الإقدام أو الترك، ولكنه لا يستخير في كل شيء، يعني: ليس للإنسان إذا أراد أن يتغدى أن يقول: أستخير الله. إذا أراد أن يذهب يصلي مع الجماعة أن يقول: أستخير الله، إنما يستخير الله في أمر لا يدري ما عاقبته، ومن ذلك: إمامة المسجد، لو عرض عليه إمامة المسجد ولم يترجح عنده الإقدام أو الترك فليستخر الله، فالإمامة من حيث هي خير في ذاتها، لكن العاقبة؛ لأن الإنسان لا يدري في المستقبل هل يقوم بواجب الإمامة أو لا يقوم، وهل يستقر في هذا المسجد أو لا يستقر، وهل يكون ملائماً للجماعة أو غير ملائم، هو لا يستخير على أن الإمامة من حيث هي خير، لكن العاقبة، كم من إنسان كان إماماً في مسجد ثم لحقه من التعب وعدم القيام بالواجب والمشاكل مع الجماعة ما يتمنى أنه لم يكن إماماً، كذلك المرأة الصالحة، لكن لا أدري ما العاقبة.
والمهم أن كل شيء تتردد فيه فعليك بالله، الجأ إليه، اسأله خير الأمرين " انتهى باختصار.
وانظر جواب السؤال رقم (١١٩٨١) ، ورقم (٢٢١٧) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب