للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم بلع ريقه أو ريق غيره

[السُّؤَالُ]

ـ[ما حكم بلع الإنسان للريق لأني أجد الكثير من الناس في رمضان يكثر من البصق تحرزا من بلع ريقه، خاصة بعد المضمضة في الوضوء، وما الحكم فيما لو كان هذا الريق من غيره كريق زوجته، أفتونا جزاكم الله خيرا.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

شرائع الإسلام مبناها على اليسر وعلى دفع المشقات غير المعتادة يقول سبحانه في أثناء آيات الصيام (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة/١٨٥، ويقول تعالى (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/٦، ويقول (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج/٧٨، ولهذا فإن ما يشق ولا يمكن التحرز منه عادة فإنه لا يؤثر على الصيام ومن ذلك ابتلاع الإنسان لريقه وهو صائم.

قال ابن قدامة:

(فَصْلٌ: وَمَا لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ , كَابْتِلاعِ الرِّيقِ لا يُفَطِّرُهُ , لأَنَّ اتِّقَاءَ ذَلِكَ يَشُقُّ , فَأَشْبَهَ غُبَارَ الطَّرِيقِ , وَغَرْبَلَةَ الدَّقِيقِ. فَإِنْ جَمَعَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ قَصْدًا لَمْ يُفَطِّرْهُ ; لأَنَّهُ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ مِنْ مَعِدَتِهِ , أَشْبَهَ مَا إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ، فَإِنَّ الرِّيقَ لا يُفَطِّرُ إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ , وَإِنْ قَصَدَ ابْتِلاعَهُ , فَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَهُ) . المغني ٣/١٦

(ومثله َلَوْ أَخْرَجَ اللِّسَانَ وَعَلَيْهِ الرِّيقُ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَ مَا عَلَيْهِ لَمْ يُفْطِرْ فِي الأَصَحِّ , لأَنَّ اللِّسَانَ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ مَعْدُودٌ مِنْ دَاخِلِ الْفَمِ فَلَمْ يُفَارِقْ مَا عَلَيْهِ مَعْدِنُهُ) . حاشية قليوبي ٢/٧٣

ثانيا:

الواجب على الصائم بعد المضمضة:

قال النووي في " المجموع" (٦/٣٢٧) :

قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: إذَا تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ لَزِمَهُ مَجُّ الْمَاءِ , وَلا يَلْزَمُهُ تَنْشِيفُ فَمِهِ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا بِلا خِلافٍ اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين (لا يجب التفل ولو بعد شرب الماء عند أذان الفجر، فإنه لم يعهد من الصحابة رضي الله عنهم فيما نعلم أن الإنسان إذا شرب عند طلوع الفجر يتفل حتى يذهب طعم الماء، بل هذا مما يسامح فيه) الممتع ٦/٤٢٨

والذين يرون البصق بعد المضمضة لا يطالبون المتمضمض بأكثر من أن يبصق مرة واحدة بعد مجِّه للماء (إخراجه من فمه) وعلتهم في اشتراط البصق اخْتِلاطِ الْمَاءِ بِالْبُصَاقِ , فَلا يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ الْمَجِّ , وَلا يشْتَرِطُون الْمُبَالَغَةُ فِي الْبَصْقِ ; لأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَهُ مُجَرَّدُ بَلَلٍ وَرُطُوبَةٍ , لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. راجع الموسوعة الفقهية ٢٨/ ٦٣

لكن إن اختلط بالريق غيره مما يمكن التحرز منه فإنه يلزمه أن يلفظه ثم لا يضره ما بقي من آثار بعد أن يلفظه كالرائحة ونحوها وذلك مثل ما يبقى من الطعام بعد السحور وما يتفتت من السواك ومثل الدم الخارج من اللثة وراجع الأسئلة (٣٧٧٤٥) (٣٧٩٣٧) (١٢٥٩٧)

وعليه فلا وجه للذين يكثرون البصق في رمضان إلا التحرز مما لا يشرع التحرز منه مما يجلب لهم جفاف الفم والعطش والمشقة في الصوم. كما يسبب لهم شيئا من الحرج، لاسيما إذا كانوا في أماكن لا يتسنى لهم فيها البصق أو لا يحملون معهم شيئا من المناديل ونحوها، وقد يكون مثل هذا حاملا لهم على تقليل الجلوس في المسجد للذكر وتلاوة القرآن، فيخسرون هذه الفضائل في هذا الشهر العظيم.

ثالثا: أما فيما يتعلق ببلع ريق زوجته، فقد قال ابن قدامة رحمه الله:

(أَوْ بَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ , أَفْطَرَ ; لأَنَّهُ ابْتَلَعَهُ مِنْ غَيْرِ فَمِهِ , فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَلَعَ غَيْرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ , أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم {كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ , وَيَمَصُّ لِسَانَهَا.} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ٢٣٨٦. قُلْنَا: قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ: هَذَا إسْنَادٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ) .

وممن ضعف زيادة (ويمص لسانها) أيضا الألباني في ضعيف سنن أبي داود. وذكر ابن قدامة توجيهين للحديث على فرض صحته:

الأول: أن المسألتين غير مرتبطتين ببعضها، قال رحمه الله (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يُقَبِّلُ فِي الصَّوْمِ , وَيَمُصُّ لِسَانَهَا فِي غَيْرِهِ) .

الثاني: أن الحديث ليس فيه دليل على ابتلاع الريق، قال رحمه الله (وَيَجُوزُ أَنْ يَمُصَّهُ , ثُمَّ لا يَبْتَلِعُهُ , وَلأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ انْفِصَالُ مَا عَلَى لِسَانِهَا مِنْ الْبَلَلِ إلَى فَمِهِ) المغني ٣/١٧

وعلى هذا فإذا لم يحصل من أحد الزوجين ابتلاع لريق الآخر فإن الصوم لا يفسد.

ولكن يبقى أن مص أحد الزوجين للسان الآخر داخل في عموم دواعي الوطء (تحرم القبلة وغيرها من دواعي الوطء إن خشي من فساد صومه بالإنزال أما إن كان يأمن على نفسه فالصحيح أنه يجوز له من غير كراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقبل وهو صائم) البخاري ١٩٢٧ مسلم ١١٠٦) الممتع ٦/٤٣٣ بتصرف.

إلا أنه ينبغي عليه أن يصون صومه عما يعرضه لشيء من النقص لاسيما وأن كل هذه المسائل تباح في كل ليالي رمضان. وراجع السؤالين (٢٠٠٣٢) و (١٤٣١٥) .

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>