هل عبارة " لنضع يدنا بيد الزمن " جائزة؟ وحكم سب الزمن
[السُّؤَالُ]
ـ[ (لنضع يدنا بيد الزمن) هل هذه الكلمة تعتبر محرمة باعتبار أن الله هو الدهر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي تصحيح فهم جملة " أن الله هو الدهر "؛ لأن الخلل في فهمها أدى إلى استشكال العبارة الواردة في السؤال، فنقول:
ثبت في السنَّة الصحيحة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) متفق عليه.
وقد فُهم هذا الأمر خطأً من بعض الناس فظنوا أن " الدهر " من أسماء الله، وليس الأمر كذلك، بل " الدهر " هو الزمن، وقد كان الجاهليون – ولا يزال لهم أتباع في هذا – يسبون الدهر، ولم يكن أحد منهم يقصد سبَّ الله، وكيف يقصدون سب الله وهو يقولون " قبَّح الله الدهر "؟! وإنما نهي عن سبِّ الدهر، ونُسب الدهر إلى الله: لأنه تعالى هو خالقه ومدبره ومصرِّفه.
وتفصيل ذلك في:
١. جواب السؤال رقم (٢٦٩٧٧) وفيه بيان أن الدهر ليس من أسماء الله.
٢. جواب السؤال رقم (٩٥٧١) وفيه بيان معنى الحديث الصحيح (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر) .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر) ، فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية، بيِّنوا لنا ذلك؟ .
فأجاب:
الحمد لله، قوله (لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر) : مروي بألفاظ أخر كقوله: " يقول الله: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) ، وفي لفظ: (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر، يقلب الليل والنهار) ، وفي لفظ: (يقول ابن آدم يا خيبة الدهر وأنا الدهر) .
فقوله في الحديث (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) يبيِّن أنه ليس المراد به أنا الزمان فإنه قد أخبر أنه يقلِّب الليل والنهار، والزمان هو الليل والنهار. فدلَّ نفس الحديث على أنه هو يقلِّب الزمان ويصرِّفه، كما دلَّ عليه قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) وإزجاء السحاب: سوقه، والودق: المطر.
فقد بيَّن سبحانه خلقه للمطر وإنزاله على الأرض فإنه سبب الحياة في الأرض فإنه سبحانه جعل من الماء كل شيء حي، ثم قال: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) إذ تقليبه الليل والنهار: تحويل أحوال العالم بإنزال المطر، الذي هو سبب خلق النبات والحيوان والمعدن، وذلك سبب تحويل الناس من حال إلى حال، المتضمن رفع قوم، وخفض آخرين.
وقد أخبر سبحانه بخلقه الزمان في غير موضع كقوله: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) ، وقوله: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ، وقوله: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) ، وقوله: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ، وغير ذلك من النصوص التي تبين أنه خالق الزمان ... .
فليس في الحديث شبهة لهم، لو لم يكن قد بيَّن فيه أنه سبحانه مقلب الليل والنهار، فكيف وفي نفس الحديث أنه بيده الأمر يقلب الليل والنهار ... .
فقد أجمع المسلمون - وهو مما علم بالعقل الصريح - أن الله سبحانه وتعالى ليس هو الدهر الذي هو الزمان، أو ما يجري مجرى الزمان ... .
" مجموع الفتاوى " (٢ / ٤٩١ – ٤٩٤) وقد اختصرنا كلامه رحمه الله.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي – رحمه الله -:
قوله: إن الله هو الدهر وهذا لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه وذلك أن أهل التعطيل يحتجون به على المسلمين، وقد رأيت بعض من يتهم بالزندقة والدهرية يحتج بهذا الحديث ويقول: ألا تراه يقول: فإن الله هو الدهر؟! فقلت: وهل كان أحد يسب الله في آباد الدهر؟ وإنما تأويله عندي - والله أعلم -: أن العرب كان شأنها أن تذمَّ الدهر، وتسبَّه عند المصائب التي تنزل بهم من موت، أو هرم، أو تلف مال، أو غير ذلك، فيقولون: " أصابتهم قوارع الدهر "، و " أبادهم الدهر "، و " أتى عليهم الدهر "، فيجعلونه الذي يفعل ذلك، فيذمونه عليه، وقد ذكروه في أشعارهم ... .
" غريب الحديث " (٢ / ١٤٥) .
ثانياً:
وإذا تبين لك أخي السائل أن " الدهر " ليس من أسماء الله: علمتَ أنه لا إشكال في العبارة الواردة في السؤال، وهي " لنضع يدنا بيد الزمن "؛ إذ ليس المراد بذلك شيء يناقض الشرع، وإنما هو أسلوب بلاغي.
وقد يكون عليه مؤاخذة من وجه آخر، فقد رأينا بعض من يستعمل هذه الكلمة يجعل " الزمن " متصرِّفاً بنفسه، - وللأسف فكثير من عباراتهم فيها سب للزمن كقول بعضهم " بيد الزمن الظالم "! - وبعضهم يطلق هذه اللفظة على الله تعالى، وبعضهم يطلقها ويريد بها " القدَر "، وهكذا تتنوع استعمالات الناس لها،ولم نرَ هذه العبارة في كتب العلماء والأئمة، والحكم عليها يكون بحسب موقعها من الجملة، وبحسب ما يعتقده القائل فيها.
وقد يكون المقصود من العبارة الواردة في السؤال أن يكون الإنسان سائراً في حياته مع متغيرات الواقع والزمن، ولا يكون مخالفاً لها، وهذا معنى يحوي حقّاً وباطلاً، ولا يمكن الحكم على العبارة إلا بمعرفة سياقها ومراد قائلها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب