هل يعد شراء الأشياء الباهظة الثمن من الإسراف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شراء الأشياء الباهظة الثمن التي تطلبها الأخت أو الأم يعد من قبيل الإسراف، حتى لو كانت هذه الأشياء في مقدور المشتري، ولا يجد مشقة في شرائها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/٣١.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي، والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفُّه والتنوُّق في المآكل والمشارب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام ". انتهى. " تفسير السعدي" (٢٨٧) .
وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) . الإسراء/٢٦-٢٧.
قال ابن كثير رحمه الله:
" لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه، بل يكون وسطًا، كما قال في الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧] .
ثم قال: منفرًا عن التبذير والسرف: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} أي: أشباههم في ذلك.
وقال ابن مسعود: التبذير: الإنفاق في غير حق. وكذا قال ابن عباس.
وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مدًا في غير حقه كان تبذيرًا.
وقال قتادة: التبذير: النفقة في معصية الله تعالى، وفي غير الحق وفي الفساد ". انتهى.
"تفسير ابن كثير" (٥/٦٩) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله:
" يقول تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} من البر والإكرام، الواجب والمسنون؛ وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الأحوال والأقارب والحاجة وعدمها والأزمنة.
{وَالْمِسْكِينَ} آته حقه من الزكاة ومن غيرها، لتزول مسكنته {وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو الغريب المنقطع به عن بلده، فيعطي الجميع من المال على وجه لا يضر المعطي ولا يكون زائدا على المقدار اللائق فإن ذلك تبذير قد نهى الله عنه، وأخبر: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} ؛ لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} ". "تفسير السعدي" (٤٥٦) .
فقد تبين أن الله تعالى أمر عباده أباح لعباده أن يتنعموا بما أنزل لهم من الطيبات، من الطعام والشراب واللباس، وأمرهم أن يصلوا ذوي القربى، وأن يعطوا المساكين، ونهاهم في نفقتهم وعطائهم عن الإسراف والتبذير.
فأما النفقة في شيء محرم، فهي إسراف وتبذير، وأما النفقة في الأمور المباحة، فالإسراف فيها يختلف بحسب حال المنفق، وموضع نفقته، وغير ذلك من العوارض التي تعرض لفعله، من حيث الزمان، والمكان، والإمكان.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
نسمع أن الإسراف يختلف من شخص إلى آخر، وذلك على حسب المال الذي عنده سواء كان تاجراً أو غنياً؟
فأجاب:
" ها صحيح، الإسراف أمر نسبي، لا يتعلق بنفس العمل وإنما يتعلق بالعامل، فمثلاً: هذه امرأة فقيرة اتخذت من الحلي ما يساوي حلي المرأة الغنية تكون مسرفة؟ لو اتخذ هذا الحلي امرأة غنية قلنا: إنه لا إسراف فيه، ولو اتخذته امرأة فقيرة قلنا: فيه إسراف، بل حتى الأكل والشرب يختلف الناس في الإسراف فيه: قد يكون الإنسان فقيراً، يعني: من الناس من تكفيه المائدة القليلة، وآخر لا يكفيه، ثم إنه – أيضاً - تختلف باعتبار أن الإنسان قد ينزل به ضيف فيكرمه بما لا يعتاد أكله هو في بيته فلا يكون هذا إسرافاً.
فالمهم أن الإسراف يتعلق بالفاعل لا بنفس الفعل لاختلاف الناس فيه " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (٨٨ / ٣٤)
وقال رحمه الله أيضا:
" الإسراف مجاوزة الحد , وقد بين الله تعالى في كتابه أنه لا يحب المسرفين , وإذا قلنا: إن الإسراف مجاوزة الحد , صار الإسراف يختلف: فقد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لفلان , وغير إسراف بالنسبة لفلان , فهذا الذي اشترى بيتاً بمليونين من الريالات، وأثثه بستمائة ألف، واشترى سيارة , إذا كان غنياً فليس مسرفاً؛ لأن هذا سهل بالنسبة للأغنياء الكبار , أما إذا كان ليس غنياً فإنه يعتبر مسرفاً , سواء كان من أوساط الناس أو من الفقراء؛ لأن بعض الفقراء يريد أن يكمل نفسه , فتجده يشتري هذه القصور الكبيرة , ويؤثثها بهذا الأثاث البالغ، وربما يكون قد استدان بعضها من الناس , فهذا خطأ.
فالأقسام ثلاثة: الأول: غني واسع الغنى , فنقول: إنه في وقتنا الحاضر - ولا نقول في كل وقت -: إذا اشترى بيتاً بمليونين ريال وأثثه بستمائة ألف ريال واشترى سيارة , فليس بمسرف.
الثاني: الوسط , فيعتبر هذا بحقه إسرافا ً.
الثالث: الفقير , فيعتبر في حقه سفهاً؛ لأنه كيف يستدين ليكمل شيئاً ليس بحاجة إليه؟! "
انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (١٠٧ / ٢٣)
وبناء على ما سبق: فإن كان ما تطلبه الأم والأخت من الأشياء مباحا، وكان في مقدروك شراؤها، بحيث لا يشق عليك، ولا يضر بنفقة هي أولى من ذلك: جاز لك شراؤها، وكون ذلك إسرافا يرجع إلى ما سبق تقريره، فإن كان مألوفا أن من هو في مثل حالكم يشتري مثل هذه الأشياء: فليس ذلك في حقكم إسرافا.
ويترجح في حقك شراء مثل ذلك، متى قدرت عليه، إن كان يترتب على ذلك الشراء صلة للأرحام، واستصلاح للقلوب، أو خيف من تركها قطيعة الرحم، أو فساد ذات البين.
والله تعالى أعلم.
للاستزادة: راجع إجابة السؤال رقم: (١٠١٩٠٣) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب