للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يختص مقام القضاء بقضاة المحاكم أو هو أعم من ذلك؟

[السُّؤَالُ]

ـ[الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قاض في الجنة وقاضيان في النار) هل هم القضاة بالمحاكم المعنيون في الحديث، أو على أي شخص كرجل المرور عندما يحقق في حادث، أو رجل الشرطة عندما يحقق في جريمة، أو المدرس، وغيرهم؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

القاضي في اصطلاح العلماء هو الذي يفصل في الخصومات، فيبين الحكم الشرعي ويلزم به.

فيقوم عمل القاضي على ركنين أساسيين، هما:

١- الإخبار بالحكم الشرعي في الواقعة.

٢- الإلزام بتنفيذ الحكم الشرعي بقوة السلطان وهيبته.

فمن توفر فيه هذان الركنان فهو القاضي الذي ورد في النصوص، سواء كان معيناً في المحاكم أو المرور، أو اتفق الخصمان على التحاكم إليه وكان حكمه لازماً لهما.

قال ابن رشيد في تعريف القضاء:

"الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام" انتهى.

"تبصرة الحكام" (١/١٢) .

وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله:

" هو فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى، قال ابن عبد السلام: الحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية هو إظهار حكم الشرع في الواقعة فيمن يجب عليه إمضاؤه فيه" انتهى.

"مغني المحتاج" (٤/٣٧٢) .

وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله:

" هو الإلزام بالحكم الشرعي وفصل الخصومات " انتهى.

"كشاف القناع" (٦/٢٥٨) .

وعلى هذا، فالقاضي الذي ورد ذكره في النصوص، كحديث:

(الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ) رواه أبو داود (٣٥٧٣) وصححه الألباني في "إرواء الغليل"، يشمل:

١- القضاة المعينون في المحاكم.

٢- القاضي الذي اتفق الخصمان على التحاكم إليه والالتزام بقوله.

٣- المدرس عندما يفصل بين طالبين متنازعين ويلزمهما بما يحكم به.

وكذلك يكون المدرس قاضياً وحاكماً بين الطلبة عند تصحيحه اختبارات الطلبة، وتقديره درجات الإجابة، وتقديره الدرجات التي يحصلون عليه مقابل أنشطتهم وسلوكهم.

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:

"إن الاختبارات حُكْمٌ حين التصحيح، فإن المعلم الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة، ويقدر درجات سلوكهم هم حاكم بينهم؛ لأن أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي، فإذا أعطى طالباً درجات أكثر مما يستحق فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره مع قصوره، وهذا جور في الحكم، وإذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه، فكيف يرضى لنفسه أن يقدم على أولاد من هو دونهم.

إن من الأساتذة من لا يتقي الله تعالى في تقدير درجات الطلبة، فيعطي أحدهم ما لا يستحق، إما لأنه ابن صديقه أو قريبه أو ابن شخص ذي شرف أو مال أو رئاسة، ويمنع بعض الطلبة ما يستحق إما لعداوة شخصية بينه وبين الطالب أو بينه وبين أبيه أو غير ذلك من الأسباب.

وهذا كله خلاف العدل الذي أمر به الله ورسوله، فإقامة العدل واجبة بكل حال على من تحب ومن لا تحب، فمن استحق شيئاً وجب إعطاؤه إياه، ومن لا يستحق شيئاً وجب حرمانه منه" انتهى.

"الضياء اللامع" (٢/٥٧٠، ٥٧١) .

٤- مدير الشركة أو المؤسسة الذي يحكم للموظفين أو عليهم بما يستحقونه من تكريم ومكافآت أو عقوبات.

٥- شرطي المرور الذي يحكم بين المتنازعين في حادث تصادم ـ مثلاً ـ فيحكم بأن الخطأ على فلان، أو أن نسبة الخطأ كذا ... فهذا قاضٍ، لأنه يحكم بين الخصمين ويلزمهما بحكمه.

أما الشرطي الذي يأتي إلى مكان الحادث ويسجل وصف الحادث في الأوراق، فهذا ليس قاضياً، ولكنه أقرب إلى الشاهد، فيجب عليه أن يشهد بالعدل، ولا يحابي أحداً، وإلا كان شاهداً بالزور، متسبباً في ضياع الحق على صاحبه، لأن الشرطي الذي سيحكم، سيحكم بناء على ما وصفه هذا الشاهد.

وأما الشرطي الذي يتولى التحقيق في الجريمة، فليس قاضياً، لأن حكمه بأن هذا هو الجاني ليس ملزماً، وليس من سلطته تنفيذ ما حكم به، بل هو كالمساعد للقاضي في الوصول إلى الحكم، فيحاول الوصول إلى تفاصيل الجريمة، وملابستها، ثم يضع ذلك بين يدي القاضي الذي يتولى الحكم.

والحاصل ... أن كل من حكم بين الناس وكان حكمه ملزماً لهم فهو القاضي، الذي إن كان حكمه مبنياً على الجهل والظلم فهو متوعد بأن يكون من أهل النار، وإن كان حكمه مبنياً على العلم والعدل فهو موعود بالجنة.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>