للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاختلاط في بعثات التعليم

[السُّؤَالُ]

ـ[ما حكم الذهاب لمأمورِيَّة علمية مع زملاء من الجنسين إلى دول إسلامية وغير إسلامية؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الواجب على المسلم شكر نعمة الله تعالى عليه بالطاعة، والالتزام بأحكام الشرع، والابتعاد عن كل ما يوجب غضب الرب سبحانه وسخطه، والله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده المؤمنين أن ينتهكوا حرماته، والاختلاط المحرَّم واحد من هذه الحرمات.

ماذا سيجني العبد من الاختلاط بالنساء، والسفر معهن، ومحادثتهن، ومعاملتهن، ومشاهدتهن، سوى مرض القلب وفتنة الدين، وكل نفس تعلم في فطرتها أن الجنس الآخر يمثل هدفا وحاجة من حاجاتها، ولكن بعض الناس يسعى إلى حاجته بالحلال، وآخرون يسلكون الحرام.

وقد سبق في موقعنا – والحمد لله – العديد من الأجوبة التي بيَّنَّا فيها حرمة الاختلاط بين الجنسين من حيث العموم، وأن الشريعة جاءت بسد الذرائع، والاختلاط المستهتر هو من أعظم ذرائع الفاحشة.

انظر (١٢٠٠) (٨٨٢٧) (٤٥٨٨٣) (٤٧٥٥٤) (٧٢٤٤٨)

ولكن يبدو أن الأخ السائل ظَنَّ أن مأمورية التعليم – أو بعثة التعليم – تمثل عذرا شرعيا للاختلاط، ولكن الصواب هو العكس، فإن السفر في مهمة علمية مع زملاء وزميلات يمثل أكبر خطر على دين المرء، وذلك أن السفر خلوة واحتجاب عن أنظار كل من يمكن أن ينكر عليك، والنفس تطمع حينئذ، والشيطان يملي ويُسَوِّل.

كما أن السفر في شأن علمي يستلزم مجالسات طويلة وإعدادات كثيرة، ومناقشات ومداولات في الشأن العلمي الذي خرجتم لأجله، وقد يستغرق النهار كله مع زميلةٍ أو زميل! كما قد يستلزم المؤاكلة والمساكنة ونحو ذلك، وكلما زاد الاختلاط والمماسة بين الجنسين فإن الفتنة والمعصية تكون أعظم وأقرب، ولا أظن عاقلا يجادل في مثل ذلك.

ولعل السائل الكريم يظن في نفسه الخير ويقول: أنا لا يخطر في بالي شيء مما تذكرون!

فنقول له: وكثيرون أيضا، بل أكثر من يقع في حبائل الشيطان، إنما كانت بدايتهم كهذه: تهاون في الاختلاط، والكلام والسلام، ثم ... :

نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ

وإن كنت قد تضمن نفسك وقلبك – وفي ذلك مكابرة للحس والعقل – فهل تضمن من معك من الرجال والنساء؟! وخاصة أن النساء فيهن من الضعف ما قد لا ينتبه له الرجال، وإذا خَرَجَت في سفر بعيد – وفي دول تستبيح المعاصي، سواء إسلامية أو غير إسلامية – فذلك ولا شك باب من أعظم أبواب الفساد، ويفتح على القلب من الشر والإثم الأمر العظيم.

وأنت في غِنًى تام عن مثل هذه المأموريات أو البعثات، إذ تستطيع الاعتذار عنها من الجهة التي كلفتك بها، وتكتفي بالحال التي أنت عليها حتى ييسر الله لك بعثة تخلو من الاختلاط، وإن قلت سأخسر منصبا أو درجة علمية! فأقول لك: ولكنك ربحت دينك وقلبك، وشتان بين التجارتين.

وقد تكلم العلماء في حكم السفر إلى بلاد غير المسلمين للدراسة، فكيف لو صاحب ذلك اختلاط فاحش بين المبعوثين من كلا الجنسين؟!

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (٢٤/٤٤) :

ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للدراسة؟

فأجاب:

" الوصية الحذر من ذلك، إلا إذا كان المسافر عنده علم وبصيرة، يدعو إلى الله، ويعلم الناس، ولا يخشى على دينه؛ لأنه صاحب علم وبصيرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين) رواه الترمذي (١٥٣٠) ، والله جل وعلا قال في كتابه الكريم عن المسلمين المقيمين بين المشركين وهم لا يستطيعون إظهار دينهم: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) النساء/٩٧-٩٨

وفي الحديث الصحيح: (لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين) رواه النسائي (٢٥٢١) والمعنى حتى يفارق المشركين.

فالوصية مني لجميع المسلمين الحذر من الذهاب إلى بلاد المشركين والجلوس بينهم، لا للتجارة، ولا للدراسة، إلا من كان عنده علم وهدى وبصيرة، ليدعو إلى الله، وتعلم أشياء أخرى تحتاجها بلاده، ويظهر دينه، فهذا لا بأس به، كما فعل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة لما هاجروا إلى الحبشة من مكة المكرمة بسبب ظلم المشركين لهم، وعجزهم عن إظهار دينهم بمكة حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة " انتهى.

وننصحك ـ أخي السائل ـ بقراءة الرسالة النافعة: " تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، والاختلاط المستهتر " لفضيلة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>