هل هناك آية معينة تبعث النور في وجه قارئها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأعمال التي إذا أداها الشخص يظهر النور على وجهه؟ قرأت أنه إذا قرأ الشخص آية/٢٨ من سورة " الطور " إحدى عشرة مرة، فإن وجهه يُشرِق إلى يوم القيامة. أرجو إخباري هل هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
طاعة الله تعالى نور يضيء باطن العبد وظاهره، وذلك من نور الله الذي ملأ السماوات والأرض، فقد أحب سبحانه الخير والعبادة والاستقامة، وألقى عليها من نوره وضيائه الذي يظهر في وجوه العباد بهجة وسرورا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة لنورا في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمة في القلب، وغبرة في الوجه، وضعفا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
وهذا يوم القيامة يكمل حتى يظهر لكل أحد، كما قال تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) آل عمران/١٠٦-١٠٧ ...
وهذا أمر محسوس لمن له قلب، فإن ما في القلب من النور والظلمة والخير والشر يسري كثيرا إلى الوجه والعين، وهما أعظم الأشياء ارتباطا بالقلب.
ولهذا يروى عن عثمان أو غيره أنه قال: ما أسر أحد بسريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه.
وقد يقوى السواد حتى يظهر لجمهور الناس، وربما مسخ قردا أو خنزيرا كما في الأمم قبلنا، وكما في هذه الأمة أيضا، وهذا كالصوت المطرب إذا كان مشتملا على كذب وفجور، فإنه موصوف بالقبح والسوء الغالب على ما فيه من حلاوة الصوت " انتهى.
"الاستقامة" (١/٣٥١-٣٥٢)
ولعل من أكثر الأعمال تأثيرا في نضارة الوجه ونوره قيام الليل وقراءة القرآن، وتعليم الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما قيام الليل وقراءة القرآن فتجد ذلك في قوله سبحانه وتعالى - واصفا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) الفتح/٢٩
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) يعني: السمت الحسن.
وقال السدي: الصلاة تحسن وجوههم.
وقال بعض السلف: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.
وقال أمير المؤمنين عثمان: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صَفَحَات وجهه، وفَلتَات لسانه.
والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله أصلح الله ظاهره للناس، كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته.
وقال مالك رحمه الله: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: " والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا "
وصدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى باختصار.
"تفسير القرآن العظيم" (٧/٣٦١-٣٦٢)
أما تعليم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فتجد ذلك في دعائه صلى الله عليه وسلم لمن يبلغ الناس كلامه بالنضارة، يقول صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ) رواه أبو داود (٣٦٦٠) والترمذي (٢٦٥٦) وقال: حديث حسن.
يقول سفيان بن عيينة رحمه الله:
" ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ اللهُ امرأً سمع منا حديثا فبلَّغه) " انتهى.
رواه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم/٢٢)
وبالجملة فالحسنة والطاعة هي التي تنير الوجه، وتضيء القلب، وتشرح الصدر، وليست آية معينة، ولا سورة مخصوصة، بل القرآن الكريم والعمل الصالح بعمومه، ولا يجوز تخصيص شيء من الدين بفضل خاص إلا بدليل، وإلا أصاب العبدَ نصيبٌ من الابتداع المذموم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب