نفقة الوالد على ولده إلى متى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابن أختي انتقل إلى السكن معي بعد أن كان يعيش في كنف أبيه، وقبلت ذلك على أن يرسل مبلغاً شهريّاً وقدره ٥٠٠ ريال، وبعد فترة قطع إرسال المبلغ واحتج أن ابنه لا يقوم بخدمته بحكم البعد عنه وأن علينا أن نتكلف بجميع احتياجاته من أكل وشرب وملبس وزواج وسيارة ووو ... وقد رفض والده أن يرسل ملف ابنه ليتعالج بالمجان على حساب الشركة التي يعمل بها، فهل يحق لنا المطالبة شرعا بالنفقة على ابنه الذي يبلغ من العمر ١٦ عاما وهو يدرس بالمرحلة الثانوية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الرجل أن ينفق على والديه وأولاده إذا احتاجوا وكانوا فقراء.
قال الخرقي – رحمه الله -:
(ويجبر الرجل على نفقة والديه، وولده، الذكور والإناث، إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم) .
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
الأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين الكتاب والسنة والإجماع؛ أما الكتاب فقول الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، أوجب أجر رضاع الولد على أبيه، وقال سبحانه: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، وقال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما.
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) متفق عليه.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) رواه أبو داود (٣٥٢٨) وصححه الألباني في إرواء الغليل.
وأما الإجماع: فحكى ابن المنذر قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.
" المغني " (٨ / ١٦٩، ١٧٠) .
وهذه النفقة الواجبة على الأب لها شروط، منها: أن يكون الابن محتاجاً إلى المال ولا يستطيع الاكتساب عاجزاً عن الكسب لصغره أو مرضه أو غير ذلك، وأن يكون الأب قادراً على الإنفاق.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكونوا فقراء , لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به: فلا نفقة لهم؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة.
الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم , فاضلا عن نفقة نفسه، إما من ماله وإما من كسبه، فأما من لا يفضل عنه شيء , فليس عليه شيء لما روى جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه , فإن فضل فعلى عياله فإن كان فضل , فعلى قرابته) وفي لفظ: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) حديث صحيح، وروى أبو هريرة (أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله عندي دينار قال: تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر قال: أنت أبصر) رواه أبو داود (١٦٩١) قال الشيخ الألباني: حسن في سنن أبي داود.
ولأنها مواساة فلا تجب على المحتاج كالزكاة.
الثالث: أن يكون المنفِق وارثا لقول الله تعالى: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) ؛ ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضى كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم.
" المغني " (٨ / ١٦٨، ١٦٩) .
فالواجب على الأب أن ينفق على ابنه ما يحتاجه حتى يستغنى وقد نص العلماء رحمهم الله على أن من النفقة الواجبة للابن على أبيه أن يزوجه إذا احتاج إلى الزواج.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
قال أصحابنا: وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته , وكان محتاجا إلى إعفافه، وهو قول بعض أصحاب الشافعي.
" المغني " (٨ / ١٧٢) .
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
حق الابن على أبيه ينتهي بمجرد استغنائه عنه، إذا كبر واستطاع أن يكتسب لنفسه وأن يستغني بكسبه: فإنه ينتهي حقه على والده في الإنفاق، أما مادام أنه صغير أو كبير ولكنه لم يستغن ولم يقدر على الاكتساب: فإنه يبقى على والده حق الإنفاق عليه حتى يستغني، وذلك بموجب القرابة.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (٣ / ٢٤٠) .
فالخلاصة: أنه يجب على الوالد أن يتقي الله فيما استرعاه من رعية، فإن كان قادراً على نفقة ولده في التعليم والعلاج وغير ذلك مما يحتاجه الابن فلا يجوز له التقصير فيها.
والنصيحة لكم قبل رفع القضية إلى المحكمة أن توسطوا أهل الخير والصلاح ليقوموا بنصح الأب ووعظه، والإصلاح بينه وبين ولده، فبذله للنفقة عن طيب نفسي بعيداً عن المحاكم أقرب إلى سلامة قلب الأب ورضاه عن ولده.
والنصيحة كذلك للابن أن يبحث عن عمل يستغني به عن نفقة والده – لاسيما وقد بلغ الابن مبلغ الرجال – ويحاول الجمع بين العمل والدراسة، وهو أمر يسير، قد فعله من قبل كثيرون، ومن يستغن يغنه الله.
فإن تعذر ذلك وأصر الأب على موقفه، فلا بأس في هذه الحال من رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليقوم بإلزام الأب بما يجب عليه شرعاً. وكلما كان الأمر أبعد عن المحاكم والخصومات كان أولى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب