للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والدتها تظلم الخَدم ولا تستجيب للنصيحة

[السُّؤَالُ]

ـ[لدي والدة طبيعتها قاسية بعض الشيء، تعامل الخدم بقسوة لأنها مرت بتجربة مع الخدم جعلتها لا تثق فيهم، وإذا ما نصحتها تغضب عليَّ وتقول: إني أفضِّل الخادمة عليها، فلا أستطيع أن أتكلم إذا ما فعلتْ في الخادمة شيئاً، ولا أستطيع أن أسكت لأني أراها تظلمها فماذا عليَّ أن أفعل؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

إذا دعت المسلمَ قدرتُه إلى ظلم من جعله الله تحت ولايته وسلطانه من خادم، أو عامل، أو رعية: فليتذكر قدرة الله عليه.

عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنتُ أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعتُ صوتاً من خلفي: (اعلم أبا مسعود) فلم أفهم الصوت من الغضب قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: (اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود) قال: فألقيتُ السوط من يدي، فقال: (اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام) قال: فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً. رواه مسلم (١٦٥٩) .

وقد جعل الله تعالى نبيَّنا محمَّداً صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوةً لنا، نقتدي ونهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خلُقاً مع خدمه، فلم يكن يعنفهم ولا يضربهم ولو خالفوا قولَه، وهذا أنس رضي الله عنه كان قد خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ووصف لنا هديه في تعامله معه.

فعنه رضي الله عنه قال: خدمتُ النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعتَ ولا ألَا صنعتَ. رواه البخاري (٦٦٩٠) ومسلم (٢٣٠٩) ، وفي لفظٍ لمسلم: (ولا عاب عليَّ شيئاً قط) . وفي رواية أخرى لمسلم (٢٣١٠) : قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم، فخرجتُ حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي قال: فنظرتُ إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس أذهبتَ حيث أمرتُك؟ قال: قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمتُه قال لشيء صنعتُه لم فعلتَ كذا وكذا، أو لشيء تركتُه هلَاّ فعلتَ كذا وكذا.

قال النووي:

وأما قوله: (تسع سنين) , وفي أكثر الروايات (عشر سنين) : فمعناه أنها تسع سنين وأشهر ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين تحديداً لا تزيد ولا تنقض , وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى، ففي رواية " التسع " لم يحسب الكسر , بل اعتبر السنين الكوامل , وفي رواية " العشر " حسبها سنة كاملة , وكلاهما صحيح.

وفي هذا الحديث: بيان كمال خُلُقه صلى الله عليه وسلم وحُسن عِشرته وحِلمه وصَفحه.

"شرح مسلم" (١٥/٧١) .

وقد وردت في السنة المطهرة الحقوق التي يجب أن تؤدَّى إلى العمَّال والأجراء والعبيد الذين يكونون تحت سلطان المسلم وملكه، وهذه الشريعة العالمية جاءت بما لم تأت به شرائع السماء قبلها، ولا لحقت بها تشريعات الأرض، فالواجب على المسلم أن يفخر بانتسابه لهذه الشريعة وأن يبادر للعمل بأحكامها.

عن المعرور بن سويد قال: رأيتُ أبا ذر وعليه حلَّة وعلى غلامه مثلها فسألتُه عن ذلك قال: فذكر أنه سابَّ رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيَّره بأمِّه قال: فأتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ فيك جاهلية! إخوانُكم وخَوَلُكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه. رواه البخاري (٣٠) ومسلم (١٦٦١) .

قال الحافظ ابن حجر:

والخَوَل: هم الخدم سموا بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي: يصلحونها , ومنه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان.

وقوله: " تحت أيديكم " مجاز عن القدرة أو الملك.

وفي الحديث: النهي عن سب الرقيق وتعييرهم بمن ولدهم , والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم , ويلتحق بالرقيق من في معناهم من أجير وغيره.

وفيه: عدم الترفع على المسلم والاحتقار له.

"فتح الباري" (٥/١٧٥) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري (٢١١٤) .

ومن خلال الأحاديث السابقة يمكن أن نجمع حقوق الخادم والآداب التي يجب على المخدوم والسيد أن يسلكها في تعامله معهم، وهذه الحقوق والآداب هي:

١. أن يُطعم خادمه مما يطعم.

٢. أن يُلبسه مما يلبس.

٣. أن لا يكلفه ما لا يطيقه، فإن فعل أعانه عليه.

٤. أن يعطيه من الأجر ما يناسب عمله ومجهوده.

٥. أن لا يسبه، ولا يشتمه، ولا يضربه.

٦. أن يحسن معاملته ويكرمه.

٧. أن يتجاوز عن خطئه وتقصيره.

فالواجب على أمكِ أن تتقي الله تعالى في تعاملها مع خدمها، ولتعلم أن الله تعالى أقدر عليها منها على خدمها، ولتعلم أن الأيام دُوَل، فلا يؤمن تغير الزمان وسلب النعمة بسبب مثل هذه التصرفات، لذا ينبغي للمسلم العاقل أن يتفطن لهذا ويتنبه، ويجب عليه شكر النعمة حتى يزيده الله تعالى من فضله.

ولعل والدتك إذا اطلعت على ما ذكرناه من أحاديث وأحكام وآداب وتنبيهات أن ترجع عن قسوتها وغلظتها مع الخدم، وأن تتوب لربها، وتستسمح ممن ظلمتهم، وأن تكرمهم قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات، فكم من مسلم يُتعب نفسه في الدنيا بطاعات وأعمال لكن أجورها قد تضيع عليه في الآخرة بأخذها منه وإعطائها لمن تعدى عليهم في الدنيا بسب أو شتم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثمَّ دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه) .

رواه البخاري (٦١٦٩) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم (٢٥٨١) .

والواجب عليكِ نصيحة والدتكِ وتكرار نصحها، وعدم اليأس من هدايتها وتوبتها، على أن يكون ذلك برفق ولين، مراعاة لحق الأم، فإن حقها عظيم، ولا تهتمي بغضبها عليكِ؛ لأنه غير محقة في هذا، وأنتِ مأجورة إن صبرتِ على ظلمها.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

عن رجل سُرق له مبلغ فظن في أحد أولاده أنه هو أخذه، ثم صار يدعو عليه، وهجره، وهو بريء ولم يكن أخذ شيئاً فهل يؤجر الولد بدعاء والده عليه؟

فأجاب:

" نعم، إذا كان الولد مظلوماً: فإن الله يكفِّر عنه بما يظلمه، ويُؤجره على صبره، ويأثم من يدعو على غيره عدواناً " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٣١/٣٠٣) .

والله الموفق.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>