صحة حديث: " اللهم فارج الهم وكاشف الغم "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (اللهم فارج الهم، وكاشف الغم، ومجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة مَن سواك) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جاء نص هذا الدعاء في حديثين اثنين:
١- في حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
(دخل علي أبو بكر، فقال: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء علمنيه؟ قلت: ما هو؟ قال: كان عيسى بن مريم يعلمه أصحابَه قال: لو كان على أحدكم جبل ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه: " اللهم فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك "
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وكانت علي بقية من الدين، وكنت للدين كارها، فكنت أدعو بذلك، فأتاني الله بفائدة فقضاه الله عني.
قالت عائشة: كان لأسماء بنت عميس علي دينار وثلاثة دراهم، فكانت تدخل علي فأستحيي أن أنظر في وجهها؛ لأني لا أجد ما أقضيها، فكنت أدعو بذلك، فما لبثت إلا يسيرا حتى رزقني الله رزقا، ما هو بصدقة تصدق بها علي، ولا ميراث ورثته، فقضاه الله عني، وقسمت في أهلي قسما حسنا، وحليت ابنة عبد الرحمن بثلاث أواق ورق، وفضل لنا فضل حسن)
رواه البزار – عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (١/٢٤) – وأبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر الصديق" (رقم/٤٠) والطبراني في "الدعاء" (١/٣١٧) ، وابن عدي في "الكامل" (٢/٢٠٣) ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٧/٤٧٢) ، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (١/٦٩٦) والبيهقي في "دلائل النبوة" (رقم/٢٤٢٠) وفي "الدعوات الكبير" (رقم/١٦٧) وفي مسند الفردوس للديلمي (رقم/١٩٨٨)
من عدة طريق عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الحكم بن عبد الله الأيلي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به.
وقال الحاكم: " وهذا حديث صحيح غير أنهما لم يحتجا بالحكم بن عبد الله الأيلي " انتهى.
والصواب أن الحكم بن عبد الله الأيلي ضعيف الحديث جدا، وكذبه غير واحد من الأئمة، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (٢/٣٣٢) : " كان ابن المبارك شديد الحمل عليه. وقال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال السعدي وأبو حاتم: كذاب. وقال النسائي والدارقطني وجماعة: متروك الحديث.
وقال البخاري: تركوه كان ابن المبارك يوهنه البتة وفي رواية يضعفه. وقال مسلم في "الكنى": منكر الحديث " انتهى باختصار فإن تشنيع العلماء على حديثه كثير.
وبهذا يتبين أن الحديث منكر أو موضوع، خلافا لما ذهب إليه الإمام الحاكم رحمه الله؛ ولهذا وضعفه الإمام المنذري في "الترغيب والترهيب" (٣/٥٧) وذكر له علة أخرى هي عدم سماع القاسم من عائشة، وحكم عليه بالضعف أيضا الإمام السيوطي في "الدر المنثور" (١/٢٤) ، وحكم عليه الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (١١٤٣) بالوضع.
٢- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يا علي! ألا أعلمك دعاء إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله، ويفرج عنك: توضأ، وصل ركعتين، واحمد الله، وأثن عليه، وصل على نبيك، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، ثم قل: اللهم! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم كاشف الغم، مفرج الهم، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك)
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/٥٢٨٧) :
" منكر: أخرجه الأصبهاني (٢/ ٥٣٤/ ١٢٧٨ - ط) عن إسحاق بن الفيض: أخبرنا المضاء: حدثني عبد العزيز عن أنس مرفوعاً.
قلت – الشيخ الألباني -: وهذا إسناد ضعيف مظلم ... " ثم فصل القول في علله رحمه الله، فانظر الموضع المشار إليه من الضعيفة.
والخلاصة أن نص هذا الدعاء لم يرد من طريق صحيح، بل طرقه شديدة الضعف، لذلك حكم عليه العلماء بالوضع وأوردوه في كتب الموضوعات، كما في "تذكرة الموضوعات" للفتني (ص ٥٣) ، "تنزيه الشريعة" (٢/٣٣٣) ، "الفوائد المجموعة" (ص ٥٩، ٥٢) .
ثانيا:
لا حرج في أن يجعل المرء ذلك من دعاء نفسه، أو أن يسأل الله الحاجات بألفاظه، فهي عبارات صحيحة لها شواهد كثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة، فيها تذلل وتقرب وإظهار خضوع لله رب العالمين، كما فيها توسل بصفات الله تعالى ورحمته التي وسعت كل شيء، فمن دعا به – من غير اعتقاد مزيد فضل له ولا خصوص أجر – يرجى له القبول والاستجابة.
عن عبد الرحمن بن سابط قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعظمهن: اللهم فارج الهم، وكاشف الكرب، ومجيب المضطرين، ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ارحمني اليوم رحمة واسعة تغنيني بها عن رحمة من سواك)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٦/١٠٩) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن سابط، لكن عبد الرحمن هذا ن التابعين، ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، كما في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (٦/١٨١) ، فيكون حديثه مرسلا، والحديث المرسل يستأنس به في الأذكار والدعاء.
بل إن الدعاء، متى استقام معناه، وصح لفظه، جاز الدعاء به، ولو لم يكن مأثورا أصلا، فباب الدعاء مفتوح لمن يجتهد فيه، وإن كان الدعاء المأثور الثابت أعظم بركة، وأسد معنى، وأبعد عن التكلف والعدوان في الدعاء.
وانظر في موقعنا جواب السؤال رقم (٧٠٢٩٥) ، (٨٤٠٣٠)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب