ضابط التشبه بالمشركين المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض الناس يقول: إن لبس البنطلون والبدلة محرم لأن فيه تشبهاً بالكفار، فهل هذا الكلام صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرم الله تعالى على المسلم أن يتشبه بالكفار، وَشَّدد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حتى قال: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (٤٠٣١) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
وتحريم التشبه بالكفار إنما يكون فيما هو من خصائصهم، ولا يشاركهم فيه المسلمون.
ومما يوضح معنى الخصوصية: أنه إذا رئي الفاعل لذلك الفعل لقيل عنه: إنه من الطائفة التي منع من مشابهتها، وهذا لا يكون إلا في الفعل الذي لا يفعله إلا هذه الطائفة، أما الفعل المشترك بينهم وبين المسلمين، فلا يصح أن يقال: إن فِعْلَه يُعَدُّ من التشبه الممنوع؛ لأن الفعل ليس خاصاً بهم.
وعلى هذا؛ فالأشياء التي لا تمنع إلا بسبب كونها تشبهاً بالمشركين، قد يختلف حكمها باختلاف الزمان أو المكان، حسب اختلاف العادات والتقاليد.
فإذا كان هذا النوع من اللباس في بلد ما لا يلبسه إلى الكفار، كان لبس المسلم له في هذا البلد محرماً، وإذا كان في بلد آخر يلبسه المسلمون والكفار كان لبسه جائزاً مباحاً في ذلك البلد.
ولبس البنطلون أو البدلة ليس اليوم خاصاً بالكفار، بل يلبسه المسلمون في عامة البلدان، ولا يرون في لبسه تشبهاً بالكفار، لكونه ليس من خصائصهم.
فعلى هذا؛ يكون لبسه مباحاً، ولا حرج فيه.
وسبق أن ذكرنا فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء من إباحة لبس البنطلون والبدلة وأنه ليس من التشبه بالكفار في جواب السؤالين (١٠٥٤١٢) و (١٠٥٤١٣) .
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ما الضابط في مسألة التشبه بالكفار؟
فأجاب:
" التشبه بالكفار يكون في المظهر واللباس والمأكل وغير ذلك لأنها كلمة عامة، ومعناها أن يقوم الإنسان بشيء يختص به الكفار، بحيث يدل من رآه أنه من الكفار وهذا هو الضابط، أما إذا كان الشيء قد شاع بين المسلمين والكفار فإن التشبه يجوز، وإن كان أصله مأخوذاً من الكفار، ما لم يكن محرماً لعينه كلباس الحرير" انتهى.
"مجموع دروس وفتاوى الحرم المكي" (٣/٣٦٧) .
وسئل أيضاً: ما هو مقياس التشبه بالكفار؟
فأجاب:
" مقياس التشبه أن يفعل المتشبِّه ما يختص به المتشَّبه به، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه، إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى، وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة، وقد صرح بمثله صاحب الفتح [ابن حجر] حيث قال (١٠/٢٧٢) : (وقد كره بعض السلف لبس البرنس؛ لأنه من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال: لا بأس به. قيل: فإنه من لبوس النصارى، قال كان يُلْبَسُ ههنا. ا.هـ) .
قلت (ابن عثيمين) : لو استدل مالك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ما يلبس المحرم، فقال: (لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنس ... الحديث) ، لكان أولى.
وفي الفتح أيضاً (١/٣٠٧) : وإن قلنا النهي عنها (أي المياثر الأرجوان) من أجل التشبه بالأعاجم فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة. والله أعلم. اهـ. " انتهى.
"فتاوى العقيدة" (ص٢٤٥) .
والمياثر الأرجوان تشبه المخدة يجعلها الراكب على الفرس تحته.
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (٢١٦٩٤) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب