تشك في صحّة نسبها إلى أبيها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت ابنة زنى ونسبت للرجل الذي أعيش معه وهو والدي بالهوية وما هو مصيري للجنة أم النار؟ وماذا أفعل؟ أقوم بفضح أهلي وأذهب للرعاية الاجتماعية أم أسكت عن وضعي وأستر على أهلي وكيف أعيش مع أخ مختلف الأب، سامح الله أمي هي سبب دماري أفتوني أنا فتاة مستقيمة والحمد لله لا تقولوا لي من يثبت أنك لست ابنة هذا الرجل لأني أشبه الرجل الذي زنت أمي معه. ساعدوني ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ولد الزنا ليس مسئولا عن الجريمة التي اقترفتها أمه، ولا يؤاخذ بها، بل هو مسئول عن عمله، فإن كان صالحا طائعا كان من أهل الجنة، وإن كان عاصيا فاسقا، كان مستحقاً لدخول النار، فشأنه في ذلك شأن غيره من الناس، لا فرق بينه وبينهم.
ثانيا:
من كان لها زوج، وأتت بولد يمكن أن يكون من ذلك الزوج، (بأن تكون ولادته بعد ستة أشهر من الزواج) فهذا الولد ينسب شرعاً لزوجها، ولا يجوز نفي نسبه منه، إلا أن ينفيه الزوج نفسه، ويلاعن زوجته على ذلك.
ودليل ذلك: ما رواه البخاري (٢٠٥٣) ومسلم (١٤٥٧) أَنَّ َسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ تنازع هو وعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي عبدٍ لزَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هذا ابن أَخِي عتبة بن أبي وقاص، عهد به إليَّ فهو ابنه، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هذا أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، فَرَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ. ثم قال لسودة بنت زمعة وهي إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنها: (َاحْتَجِبِي عنْهُ يَا سَوْدَةُ) .
فحيث ولد المولود على فراش الزوجية، فإنه ينسب للزوج، ولا ينفى عنه إلا باللعان، بأن يلاعن الزوج زوجته وينفي الولد عنه، ولا عبرة بوجود الشبه، وقد بان من الحديث السابق أن الولد الذي وقع عليه النزاع، كان به شبه بيّن بالزاني وهو عتبة بن أبي وقاص، وهذا الزنا وقع في الجاهلية، وسعد رضي الله عنه يريد أن ينسب العبد لأخيه الذي أوصاه بذلك، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأن الولد للفراش، ونسبه لزمعة وهو صاحب الأمة، وراعى الاحتياط لأجل الشبه فأمر سودة بنت زمعة أن تحتجب من أخيها هذا.
فاجتمع هنا: الإقرار بالزنا، ووجود الشبه البيّن، ومع ذلك أثبت النبي صلى الله عليه وسلم النسب لصاحب الفراش، وهذا من احتياط الشريعة للأنساب، ورغبتها في الستر، فإن النسب حق للمولود.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَة) فَأَمَرَهَا بِهِ نَدْبًا وَاحْتِيَاطًا , لِأَنَّهُ فِي ظَاهِر الشَّرْع أَخُوهَا لِأَنَّهُ أُلْحِقَ بِأَبِيهَا , لَكِنْ لَمَّا رَأَى الشَّبَه الْبَيِّن بِعُتْبَةَ بْن أَبِي وَقَّاص خَشِيَ أَنْ يَكُون مِنْ مَائِهِ فَيَكُون أَجْنَبِيًّا , مِنْهَا فَأَمَرَهَا , بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ اِحْتِيَاطًا ...
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ -: كَانَتْ عَادَة الْجَاهِلِيَّة إِلْحَاق النَّسَب بِالزِّنَا وَكَانُوا يَسْتَأْجِرْنَ الْإِمَاء لِلزِّنَا فَمَنْ اِعْتَرَفَتْ الْأُمّ بِأَنَّهُ لَهُ أَلْحَقُوهُ بِهِ فَجَاءَ الْإِسْلَام بِإِبْطَالِ ذَلِكَ وَبِإِلْحَاقِ الْوَلَد بِالْفِرَاشِ الشَّرْعِيّ , فَلَمَّا تَخَاصَمَ عَبْد بْن زَمْعَة وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَقَامَ سَعْد بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ أَخُوهُ عُتْبَة مِنْ سِيرَة الْجَاهِلِيَّة وَلَمْ يَعْلَم سَعْد بُطْلَان ذَلِكَ فِي الْإِسْلَام وَلَمْ يَكُنْ حَصَلَ إِلْحَاقه فِي الْجَاهِلِيَّة , إِمَّا لِعَدَمِ الدَّعْوَى , وَإِمَّا لِكَوْنِ الْأُمّ لَمْ تَعْتَرِف بِهِ لِعُتْبَة , وَاحْتَجَّ عَبْد بْن زَمْعَة بِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاش أَبِيهِ فَحَكَمَ لَهُ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش رجل , فادعاه آخر، أنه لا يلحقه " انتهى من "المغني" (٦/٢٢٨) .
وبناء على ذلك، فإذا كنت ولدت بعد ستة أشهر من نكاح والدك لأمك، فأنت منسوبة لأبيك، ولا يمكن نفي نسبك إلا باللعان، وليس لك أن تشكّي في أمك وتسيئي بها الظن لوجود الشبه، فإن الشبه قد يحصل من غير زنا.
ومهما كان الأمر فإن الشبه أو إقرار المرأة بالزنا لا يوجب نفي نسب الولد، حتى يلاعن الزوج، وينظر جواب السؤال رقم (٣٣٦١٥) لبيان حقيقة اللعان وما يترتب عليه.
والذي ينبغي لك هو الإعراض عن هذا الأمر وعدم التكفير فيه، والاهتمام بإصلاح العمل، والاستقامة على هذا الدين.
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لما يبح ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب