يعانون من تمرد الأبناء ورفضهم للدراسة النظامية
[السُّؤَالُ]
ـ[قمنا بإرسال بعض أطفالنا لما يسمى بدار العلوم بناء على رغبة زوجى، بالرغم من أن دار العلوم تبعد عن مدينتنا مسافة رحلة جوية تستغرق ٦ ساعات، وكان رأيي أن إرسالهم بعيدا سيؤدى إلى عدم قدرتنا على رؤيتهم كثيرا، وخاصة الفتيات، بالإضافة إلى كونها مكلفة للغاية، ونحن أسرة تنتمى للطبقة المتوسطة وقد قمنا بصرف جميع مواردنا المالية عليهم حتى وإن كان ذلك قد أدى إلى قيامنا بالإقتطاع من ميزانيتنا فى بعض الأوقات. وبعد ذلك بأربع أو خمس سنوات حدث أمر بالغ السوء لابنتنا من قبل القائمين على دار العلوم، وعندما اكتشفنا ذلك كادت أرواحنا تفارق أجسادنا لأننا حتى لم نستطع التفكير فى قيام من يدعون التقوى بهذه الأفعال، وكان علينا أن نسحب جميع أطفالنا من دار العلوم ونعيدهم إلى المنزل ورغبنا فى أن نرسلهم للتعليم النظامى. وقد عاد جميعهم للمدارس النظامية ويبلون هناك بلاء حسنا عدا أحدهم، وهو حافظ ورافض لأن يذهب إلى مدرسة نظامية، وقد أمضى الخمس سنوات الأخيرة بحجرته يلعب الألعاب على الكمبيوتر. كما أن جميعهم متمردون ويشعرون بالمرارة لدرجة عدم تمكننا من الحديث إليهم أو نصحهم فى أى أمر، حيث إنهم يؤذوننا كلاميا وجسديا ولومنا (والديهم) بأننا قمنا بتدمير حياتهم بإعادتهم إلى المنزل، وعدم تركهم يتمون التعليم الإسلامى. والآن وبعد انقضاء خمس سنوات علينا نحن والديهم فإننا نعانى من الإحباط والعجز والقلق والضغط العصبى، ونشعر بالندم كل ثانية فى حياتنا على إرسالهم إلى هذه الأماكن التى يديرها أشرار، لا يفكرون بأن أفعالهم الشريرة ستؤثر على الأسر وتدمرها. ونحن قلقان على مستقبلهم، فكيف سيعيشون ويصرفون على أنفسهم دون الحصول على تعليم مناسب. وقد حاولنا الحصول على مساعدة احترافية، لكنهم رفضوا التعاون كما أنهم غير مهتمين بأمر الزواج. هذا بالإضافة إلى أنهم لايكادون يساعدون فى تنظيف المنزل والواجبات المنزلية والجو بالمنزل متوتر للغاية دائما مما كان له أثر على أطفالنا الأصغر سنا. ونحن نطلب نصحكم وعونكم فى ضوء الإسلام، فما الذي علينا القيام به وما الذى أخطأنا فيه؟ وجزاكم الله خيرا لإستجابتكم لهذا الطلب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قمتم به من إرسال بعض الأطفال إلى تلك الدار لتعلم العلوم الإسلامية، أمر يدل على حرصكم على تربية الأبناء وتعليمهم أمر دينهم، فنسأل الله تعالى لكم الأجر والثواب.
وما جرى لابنتكم هناك من الأمر السيئ الذي أشرتم إليه، مما يؤسف له ويحزن لأجله، لأن هذه الدور ينتظر منها أن تكون مثالا للأمانة والرعاية والخلق الحسن، لكن هكذا يكون الحال حينما تكون الذئاب هي الرعاة!! وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ.
مع أن بداية المشكلة كانت ـ فعلا ـ في إرسال الأبناء بعيدا عن أنظاركم ورعايتكم، أيا كان نوع الدراسة التي سوف يدرسونها، وأيا كان المسؤول عنها، خاصة إذا كان فيهم إناث، فهذا الذي لا يجوز بحال، لكن قدر الله وما شاء فعل، ولنأخذ من الماضي عبرة ودرسا، وإن كان قاسيا مرا، بالطعم الذي ذقتموه!!
وأمام المشكلة التي ذكرت نشير عليك ببعض الأمور:
أولا: التقرب من الأبناء، والجلوس معهم، ومصارحتهم، والتعرف على رغباتهم وميولهم، وطلب الاقتراحات المناسبة منهم، ليشعروا أنهم جزء من حل المشكلة، ويلزمهم اتخاذ القرار الذي ينبني عليه مستقبلهم.
وهذا من أهم وسائل العلاج، فإن الحب إذا شاع في البيت أمكن أن يحل معه قدر كبير من المشاكل والأزمات، لا سيما وهم يشعرون بتقصيركم وخطئكم نحوهم، فابذلوا الوسع في تصحيح هذه الصورة، وإبداء الرغبة في تحقيق ما يريدون مما يمكن تحقيقه.
ثانيا: محاولة دمجهم مع الجالية المسلمة في المكان الذي تعيشون فيه، وإيجاد الأصدقاء الصالحين لهم.
ثالثا: الاستمرار في تعليمهم العلوم الإسلامية، عن طريق المراكز الإسلامية، أو الجامعات المفتوحة، أو جلب من يعلمهم ويوجههم.
رابعا: إرسال الابن المتمرد إلى دار أخرى للتعليم، ليحقق رغبته، ويخفف من حدوث التوتر في البيت، والتأثير على بقية إخوانه.
خامسا: البحث عن وسيلة للتعليم في غير المدارس النظامية التي يحبونها، كالدراسات عن بعد، بواسطة الإنترنت وغيره.
سادسا: الدعاء المستمر لهم بالصلاح والتوفيق، فإن الله سبحانه يهدي من يشاء، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
وإذا تطلب الأمر أن تنتقل الأسرة بكاملها من مكان الإقامة، إلى حيث يتمكن الأبناء من مواصلة دراستهم، والخروج من الأزمة التي يعيشون فيها، والتي تربك الأسرة بكاملها، فلا تبخلوا على أنفسكم وأبنائكم بذلك، وعلى الرغم من صعوبة التضحية في مثل هذه الحال، وعلى الرغم ـ أيضا ـ من أنها كثيرا ما تكون مكلفة جدا، فإن أي تضحية أهون من التضحية بالأبناء ومستقبلهم، وإن أي تكلفة سوف تكون أخف مما تعانونه وتعيشون فيه.
ونوصيكم باستشارة أهل الخير والصلاح ممن هو قريب منكم، ويعلم واقع أبنائكم وطبائعهم.
نسأل الله لكم العون والتوفيق والسداد.
نسأل الله أن ييسر لكم أمركم، وأن يصلح لنا ولكم ذرياتنا، وأن يجعلهم ذخرا لدينه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب