للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتصدق بثيابه الشتوية بعد انتهاء الشتاء، ويشتري غيرها في العام القادم

[السُّؤَالُ]

ـ[عندما ينتهي الشتاء أقوم بالتصدق بثيابي الشتوية، حيث إني لا أعلم إن كنت أعيش للعام المقبل، وعندما يحل الشتاء المقبل أقوم بالشراء مرة أخرى، حيث إني ميسور ولله الحمد، فهل فعلي صحيح؟ وهل يوجد ما هو أصح منه؟ وهل يعد ذلك إسرافاً بحيث أني ألبس دائما الجديد كل شتاء؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله:

لا بأس أن يتصدق المسلم بثيابه كل عام، ويشتري غيرها، أو يبيعها ويتصدق بثمنها، ولا يدخل هذا في الإسراف، ولا التبذير إن كان الله تعالى قد وسَّع عليه في المال، بل هذا أمر حسن ممدوح من صاحبه. قال الله تعالى: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/٢٦-٢٧.

" قال ابن مسعود رضي الله عنه: التبذير: الإنفاق في غير حق، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق، لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مُدًا في غير حقه كان تبذيرًا.

وقال قتادة: التبذير: النفقة في معصية الله تعالى، وفي غير الحق، وفي الفساد ".

تفسير ابن كثير (٥/٦٨) .

وفي صحيح البخاري (٧٣) ومسلم (٨١٦) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (أَيْ: إِهْلَاكه , وَعَبَّرَ بِذَلِكَ لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئًا. وَكَمَّلَهُ بِقَوْلِهِ: " فِي الْحَقّ أَيْ: فِي الطَّاعَات لِيُزِيلَ عَنْهُ إِيهَام الْإِسْرَاف الْمَذْمُوم."

وقال القرطبي – رحمه الله -:

وروي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - شيخ مالك - رضي الله عنهم أنه كان يلبس كساء خزٍّ بخمسين ديناراً، يلبسه في الشتاء، فإذا كان في الصيف: تصدَّق به، أو باعه فتصدق بثمنه، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع بمصر ممشقين – أي: مصبوغيْن بـ " المشق "، وهو صبغ أحمر - ويقول: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) .

" تفسير القرطبي " (٧ / ١٩٥، ١٩٦) .

ثم إن ما ذكرته في سؤالك من أنك لا تعلم أنك لا تعيش إلى العام المقبل، هو أمر تحمد عليه؛ أعني: إذا عودت نفسك قِصَر الأمل في الدنيا، وترك التعلق بها.

وفي صحيح البخاري (٦٤١٦) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. ٍ

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>