سائل يعلق على جواب سابق في الصوم، وحديث ابن عباس في رؤية الهلال بشاهد واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[في جوابكم على السؤال رقم (٢٦٨٢٤) ذكرتم جواز الأخذ برأي الثقة في رؤية الهلال، ولكن هذا يتعارض مع الحديث الذي جاء فيه بدوي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره برؤية الهلال، عندها سأله الرسول هل تؤمن بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فلمَّا أجاب بالإيجاب، سأله هل تشهد أنك رأيت الهلال؟ فمن هذا الحديث الدليل على جواز قبول رؤية الهلال من أي مسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الذي أشار إليه السائل هو:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ - قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِى: رَمَضَانَ - فَقَالَ: (أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ؟) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَداً) .
رواه الترمذي (٦٩١) وأبو داود (٢٣٤٠) والنسائي (٢١١٢) وابن ماجه (١٦٥٢) .
والحديث: ضعيف، لا يصح، وقد ضعفه النسائي والألباني وغيرهما.
وإذا كان الحديث ضعيفاً، فلا تعارض بينه وبين ما ذكرناه أنه لا بدَّ أن يكون الرائي للهلال عدلاً.
وعلى فرض صحة الحديث: فإن معناه يحمل على وجوه، منها:
١. أن الأمر في قبول شهادة الرائي للهلال، وكونه ثقة، عدلاً: يرجع للقاضي، وأنه إن استقر في نفسه بسبب خبرته بالناس أن هذا الرائي موثوق بشهادته: فإن له قبول تلك الشهادة منه، وإن لم يكن يعرفه أحد ليزكيه ويوثقه.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
إذاً: أمر بلالاً بأن يؤذن، أي: يعلن في الناس أن يصوموا غداً، فقنع الرسول عليه السلام من هذا الرجل الذي لا يعرفه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بمعنى: أنه عرف أنه مسلم، لكنه ما جرَّبه، ولا عرف ذكاءه، وفطنته، وكياسته، كما كان الأمر بالنسبة للحديث الأول الذي فيه أن الشاهد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومع ذلك قبِل شهادته، فهذا فيه تيسير واسع، ومعنى هذا أن القاضي يقنع بظاهر الشاهد دون أن يأتي بمزكين يعرِّفونه كما جرى على ذلك عرف القضاة قديماً، يكتفي منه بأن يعرف إسلامه، هذا أعرابي ما يعرفه سابقاً عليه الصلاة والسلام، فاكتفى أن يشهد أمامه بالشهادتين، فهو مسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا، وبناءً على شهادته وإسلامه قال: يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غداً.
" التعليق على كتاب بلوغ المرام " دروس صوتية، الحديث رقم ٥، كتاب الصيام.
٢. أن يكون هذا الحديث دليلاً على أن الأصل في المسلم العدالة، حتى يتبين خلاف ذلك.
قال الصنعاني رحمه الله في فوائد حديث ابن عباس:
فيه دلالة على أن الأصل في المسلمين العدالة، إذ لم يطلب صلى الله عليه وسلم من الأعرابي إلا الشهادة.
" سبل السلام الصنعاني " (٢ / ١٥٣) .
٣. أن يكون هذا الحكم خاصّاً بالصحابة، وهو كذلك؛ لأنهم جميعاً عدول، ومما لا شك فيه أن ذاك الأعرابي قد انتظم في عقد الصحابة رضي الله عنهم، وهو بذلك صار من العدول، والذين لا يُحتاج النظر في عدالتهم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
والصحابة كلهم ثقات ذوو عدل، تقبل رواية الواحد منهم، وإن كان مجهولاً، ولذلك قالوا: جهالة الصحابي لا تضر.
والدليل على ما وصفناه من حال الصحابة: أن الله أثنى عليهم ورسوله، في عدة نصوص، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبل قول الواحد منهم إذا علم إسلامه، ولا يسأل عن حاله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني رأيت الهلال: يعني رمضان ... .
انتهى " مصطلح الحديث " من موقعه رحمه الله.
وهناك أمر يقوِّي ما سبق، وهو كون تلك الشهادة في زمن الوحي، ولا يمكن أن يُقرَّ ذلك الأعرابي على شهادة باطلة تتعلق بطاعة المسلمين وعبادتهم.
وبما أن الحديث ضعيف: فقد أغنانا الله تعالى عن تأويله، والحمد لله رب العالمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب