مرحلة " المراهقة " كيف وقى الإسلام من شرها، وكيف يُعامل المراهق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبعث إليك سؤالي وشكواي، وأرجو منك التأمل فيه، وإفادتي بجواب موسع، وشافٍ - بإذن الله -: أنا امرأة متزوجة، رزقني الله بابن واحد، هو الآن في الرابعة عشر من عمره، ولدي ٤ بنات، وابتلى الله زوجي بالسجن في دَيْن لحق به، وقد يمضي عليه سنوات قبل الخروج منه، ومشكلتنا مع ابني - هداه الله - حيث إنه في سنِّ المراهقة، فبدأ: أولاً: بالخروج - غالباً - عن طور الطاعة. ثانياً: لديه رفقاء سوء، بحكم إقامتنا في الحي. ثالثاً: بحكم عدم وجود والده: اضطررنا بالإجماع - من قبَل والده وأعمامه - إعطاءه جوالاً؛ لأن مدرسته كانت بعيدة؛ ولأنه عندما ينزل للصلاة يتأخر في العودة إلى البيت، مما أضطر إلى الاتصال به وطلب أغراض للبيت، والمطالبة بعودته سريعاً، ولكي يطمئن عليه أعمامه باستمرار، وبعدها طلب ولدي جوالاً بكاميرا وبلوتوث، ورفضت، وأصررت على رفضي، فعارضني أعمامه وعماته، وأعطوه مبلغاً، واشترى جوالاً بكاميرا، ومنها بدأت المعاناة، حيث بعد فترة اكتشفت مقاطع سيئة في جواله، فكلمت والده، واستشار بعض الفضلاء: فأشاروا عليه بسحب الجوال منه، وإعطائه جوالاً عاديّاً من غير بلوتوث، ثم استشار زوجي بعضاً من كبار السن - وهم فضلاء، وعلى خير، ومحفِّظين لكتاب الله، ولديهم أبناء، ومروا بتجارب سابقة - فقالوا: " خطأ فعلك، أعد عليه الجوال بطريقة ما، وقم بنصحه، وأعطه الثقة بنفسه "، فأعدنا إليه جواله، وأصبح يضع فيه رمزاً للقفل، ونهرته عن هذا التصرف، إذ كان يدعي أن جواله نظيف، ولا يوجد به أي سوء، إلا وأني - للأسف - عدت بعد فترة طويلة واكتشفت فيه بعض المقاطع السيئة. رابعاً: بدأ يتفلت من الصلوات، ويكذب في أبسط الأمور، حتى أصبح مشهوراً بالكذب بين أفراد الأسرة وأقاربنا. خامساً: بقدر ما نسعى للتقرب إليه ومحاولة جعل ما بيننا وبينه تعاملاً أخويّاً، بقدر ما يبتعد عنَّا. سادساً: هناك أمر آخر يقلقني ولم يعلم به بعد الله سواي أنا وزوجي فقط، حتى ابني لم يبلغني بما حدث: ألا وهو أنه كان في رحلة مع شباب ... وهم في الباص للاستعداد للانطلاق سمعوا ولداً يصرخ، وقال: إنهم كانوا يريدون أن..... لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال: إن ولدي كان منهم. سابعاً: أعمامه متعاونون معي، ولكنهم يسكنون بعيداً عنَّا، فلا يستطيعون مراقبته في كل الأحوال، ولديه خال واحد فقط، ودائماً يقول لي: لا تشددي عليه، اتركيه، وأعطيه الثقة، بدون أي تصرف آخر. آمل منك إرشادي، وتوجيهي، والدعاء لي، ولولدي بأن يصلحه الله، ويهديه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المراهقة هي مقاربة البلوغ.
ومرحلة " المراهقة " مرحلة خطرة، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام غاية في الحكمة للوقاية من خطرها قبل وقوعها، ومن ذلك:
١. التربية على حسن الأخلاق، وتحفيظ الطفل القرآن في أوائل عمره.
وإدخال كلام الله تعالى في صدر الطفل في أوائل عمره من شأنه أن يطهِّر قلبه وجوارحه، وخاصة إن صار حافظاً لكتاب الله تعالى قبل بلوغه فترة المراهقة، ولا شك أنه سيكون متميزاً بذلك الحفظ في المجالس، والمساجد.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"فإذا بلغ الطفل سن التمييز فإنه حينئذ يؤمر والده بأن يعلمه وأن يربيه على الخير بأن يعلمه القرآن، وما تيسر من الأحاديث، ويعلمه الأحكام الشرعية التي تناسب سن هذا الطفل بأن يعلمه كيف يتوضأ وكيف يصلي، ويعلمه الأذكار عند النوم وعند الاستيقاظ وعند الأكل والشرب؛ لأنه إذا بلغ سن التمييز فإنه يعقل ما يؤمر به وما ينهى عنه، وكذلك ينهاه عن الأمور غير المناسبة ويبين له أن هذه الأمور لا يجوز له فعلها كالكذب والنميمة وغير ذلك، حتى يتربى على الخير وعلى ترك الشر من الصغر، وهذا أمر مهم جدًّا غفل عنه بعض الناس مع أولادهم" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (٥ / ٢٩٧، السؤال ٤٢١) .
٢. تعليمه الصلاة في سن السابعة، وضربه على تفريطه فيها في سن العاشرة.
وما قلناه في القرآن نقوله في الصلاة، فهي تطهر قلب وأفعال الشاب الناشئ على طاعة الله، وخاصة إن كان يؤدي الصلاة في المسجد جماعة مع والده أو مع وليه كأخ أو عم.
٣. التفريق بين الأولاد في المضاجع عند النوم عند بلوغهم سن العاشرة.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) .
رواه أبو داود (٤٩٥) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي هذا السن يبدأ ميل الذكر للأنثى، والأنثى للذكر، وهذا الحكم من شأنه أن يُبعد الأولاد عن المهيجات الجنسية، وأن يقطع فرص الاحتكاك التي تولد الشهوة.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (١٧ / ٤٠٨) :
" لا يجوز للأولاد الذكور إذا بلغوا الحلُم، أو كان سنُّهم عشر سنوات: أن يناموا مع أمهاتهم، أو أخواتهم في مضاجعهم، أو في فرشهم، احتياطاً للفروج، وبُعدا عن إثاة الفتنة، وسدّاً لذريعة الشرِّ " انتهى.
٤. اختيار الصحبة الصالحة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ) رواه أبو داود (٤٨٣٣) والترمذي (٢٣٧٨) وحسَّنه، وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد قيل: " الصاحب ساحب "، فإذا اعتنى الوالدان بصحبة أولادهم وأحسنا اختيارها: وفَّر ذلك عليهما وقتاً وجهداً عظيمين، فالصحبة الصالحة لن تؤدي إلا إلى خير، فالصاحب الصالح يقضي وقته في طاعة الله، يدله على الخير، ويمنعه من الشر، والصاحب الفاسد يدله على الشر، ويمنعه من الخير، ويزين له المعصية، ويقوده إليها.
٥. إلزام الأولاد في تلك المرحلة بالاستئذان عند الدخول على والديهم في أوقات التخفف من الثياب، ومظنة كشف العورات أو الجماع، حتى لا تقع أعينهم على ما يهيجهم، أو يمارسونه تطبيقاً عمليّاً.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (١٧ / ٤٠٨) :
"أمر الله تعالى الذين لم يبلغوا الحلُم أن يستأذنوا عند دخول البيوت في الأوقات الثلاثة التي هي مظنة التكشف وظهور العورة، وأكد ذلك بتسميتها عورات، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النور/ ٥٨.
وأمر الذين بلغوا الحلُم أن يستأذنوا في كل الأوقات عند دخول البيوت، فقال تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النور/ ٥٩، كل ذلك من أجل درء الفتنة، والاحتياط للأعراض، والقضاء على وسائل الشر" انتهى.
٦. المبادرة بالزواج.
وقد خاطب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الشباب بذلك، ومخاطبتهم بذلك الاسم وهم في تلك المرحلة له دلالته الواضحة أن في الزواج حفظاً لنظرهم من أن يُطلق في الحرام، وحفظاً لفرجهم أن يوضع في حرام.
فعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسْعُود رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) . رواه البخاري (٤٧٧٩) ومسلم (١٤٠٠) .
ثالثاً:
ما ذكرناه سابقاً يبين مدى تحمل الوالدين لما يصل إليه ولدهم من حال في فترة المراهقة، أو البلوغ، وبحسب تقصيرهم وعدمه يكون استحقاق العقاب والثواب، وقد يبذل المسلم كل سبب يستطيعه لهداية ولده ولا تكون النتيجة مرضية، وهذا لا إثم عليه فيه، وهداية التوفيق بيد الله تعالى. والذي ننصحك به تجاه تصرفات ابنك:
١. عدم معاملته بغلظة، وعدم التهاون معه؛ وذلك أن الغلظة في التعامل قد تسبب له ردة فعل، يخرج بسببها من البيت، ويفعل ما يحلو له، كما أن التهاون معه يفتح الطريق أمامه لفعل المنكرات، وأن لا يبالي بأحد، فينبغي التوسط في التعامل معه، والغلظة في أمور، والتهاون في أخرى.
٢. اختيار صحبة صالحة من الشباب المستقيم على طاعة الله تعالى ليكونوا أصدقاء له، ويكون ذلك بطريقة لا يشعر بها أنكم تريدونه ترك أصحابه الفاسدين، فيتم التنسيق مع رجال فضلاء لهم أبناء مستقيمون ليزوروكم – مثلا – أو ليجتمعوا به في مناسبة عامَّة، ويتم التعارف بينه وبين الشباب الذين هم في سنِّه، وهؤلاء – غالباً – فيهم ما يجذب الآخرين من حُسن خلق، وسمتٍ طيب، كما أن أوقاتهم فيها الشيء الكثير الذي يمكن أن يستهويه، كالرحلات، والسفر للعمرة، واللقاءات مع أهل العلم.
٣. الحد من خروجه من البيت قدر الاستطاعة، وإشغاله في أعمال البيت، كتدريس أخواته، أو القيام بواجباته المدرسية وعدم القيام بها خارجه.
٤. لا بأس بإشغاله ببعض الألعاب المباحة، والتي يمكنه القيام بها في البيت.
٥. كثرة زيارته لوالده، وهذه قد تحد من أفعال كثيرة يمكنه فعلها، مع إعلام والده ببعض تصرفاته – لا كلها – ليشعره بأنه متابع لوضعه وحاله.
٦. إشعاره بالمسئولية على البيت، وأخواته، وهذا السن الخطير يرى فيه الشاب أنه رجل، ولا يريد لأحدٍ أن ينتقد تصرفاته، فيستثمر غياب الوالد بإفهامه أنه رجل البيت الآن، وأنه مطلوب منه العناية به، ورعاية أخواته، وأنه مسئول عنهنَّ، ولعل هذا يفيد كثيراً من جهة تعلقه بالبيت وأهله، ومن جهة أن يكون قدوة في تصرفاته أمامكم.
٧. توثيق صلته بأعمامه، وصلة أعمامه به، وينبغي لوالده أن يكلِّم أشقاءه – أعمام ابنك – بضرورة الاهتمام بابنك، والعناية به، ومراقبة تصرفاته، ونصحه، وتوجيهه، ووجود رجل كبير عاقل بجانب ابنك هو حوج ما يكون له.
٨. التفكير جديّاً بتزويجه، وعدم ترك الشهوات تعبث به، وتتحكم فيه، بل اضبطي ذلك بتزويجه، ففيه حفظ لنفسه من الهلكة والضياع، وحتى لو سكن عندكم – مؤقتاً – وليس عندك إلا بناتك، فلن يكون في سكناه معكم ما يُحذر منه.
٩. أكثري من الدعاء له، بأن يُصلحه الله، ويهديه، واختاري الأوقات التي هي مظنة استجابة الدعاء، وأفضلها: الثلث الأخير من الليل فهي وقت نزول الرب سبحانه وتعالى وهي الوقت الذي يستجاب فيها للدعاء، وكذا الدعاء له في سجودك في صلاتك.
ونسأل الله تعالى أن يصلح ابنك، وأن يوفقه لمرضاته، وأن يفرِّج عن زوجك، وأن يخرجه عاجلاً غير آجل، وأن يكتب لك أجر العناية بأولادك، والحرص على تربيتهم.
ويمكنك الاستفادة من كتاب " فن التعامل مع مرحلة المراهقة " للدكتور محمد الثويني.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب