تسبب في موت قطط صغيرة فهل له توبة!؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في عمارة مشتركة، وفي شقتي التي أتردد عليها بين الفينة والأخرى تركت إحدى النوافذ مفتوحة فولدت قطة أربعة من الصغار، وقد تحدثت بخصوص هذه القطة مع والداي فنصحوني أن أحتفظ بها إلى حين أن يكبروا قليلا ليتمكنوا من الفرار والاختباء وآنذاك أخرجهم لكني احتفظت بها فقط لمدة قصيرة جدّاً حتى تمكنت من الإبصار وأولى خطوات المشي، ثم قمت بطردهم من الشقة، وجعلتهم فوق السطح، مع علمي أن أمهم لن تهتدي إليهم، وهذا ما حدث بالفعل. هذا مع علمي اليقين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم بخصوص المرأة التي دخلت النار في هرة، ومع ذلك تركتهم وغادرت المكان لمدة ثلاثة أيام. ما حدث الآن هو أنه بعد أن عدت وجدت القطط غير موجودة وأمهم تبحث عنهم، والظاهر أنهم سقطوا في قناة الصرف الصحي للعمارة. فما حكمي في هذه النازلة لأني كان بإمكاني أن أتفادى ذلك وأحتفظ بهذه القطط ولن يكلفني ذلك شيئا ولأني خالفت نصيحة والداي، فهل أنا آثم؟ وماذا أعمل لأكفر عن خطئي فأفيدوني رحمكم الله، ولكم جزيل الشكر والثواب، فنفسيتي منهارة، فلم أعد أحس بطعم الحياة، فأنا أنتظر الموت فقط لأرتاح من هذا الإحساس، فأنا طول الوقت أفكر في هذه القطط وأقول لم تؤذني وقتلتها فأنا سأدخل النار كتلك المرأة في الحديث الشريف. وأصبحت عبوسا ومعنوياتي في الحضيض كل شيء أفعله بفتور كبير ولا أحس بالفرحة في أي شيء، تمنيت لو أن الزمان يرجع للوراء , أحس بضياع كبير وبأني مشلول ماديّاً ومعنويّاً وبأني لن أنسى هذا الحادث وآلامه دنيا وآخرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله تعالى قد أمر بالرفق في كل شيء، ففي الحديث: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) رواه البخاري (٥٦٧٨) ومسلم (٢١٦٥) .
وروى مسلم (٢٥٩٢) عن حديث جرير رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يحرم الرفق يحرم الخير) .
واعلم أنه من كان عنده شيء من الدواب فيجب عليه أن يحميها ويطعمها ويسقيها، ولا يجوز له أن يعرضها للهلاك، وفي الحديث الذي أشرت إليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض، أي حشراتها. رواه البخاري (٢٣٦٥) ومسلم (٩٠٤) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ (أي: ترفرف بأجنحتها) فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا) رواه أبو داود (٢٦٧٥) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
والحمرة – بتشديد الميم وتخفيفها -: طائر صغير كالعصفور.
فحاصل المسألة: أن من استرعاه الله شيئاً من هذه الدواب كأن تكون في حرزه أو يربيها ويبقيها لحاجته وجب عليه رعايتها والإحسان إليها والرفق بها.
وبناء عليه: فإنه يجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من أمور:
أولها: معصية والديك اللذين أمرك الله ببرِّهما، وبطاعتهما فيما لا معصية فيه.
الثاني: أن هذه القطط كانت في حرزك وقصرت في رعايتها حتى أدى ذلك إلى هلاكها.
ثالثها: أنك فجعت أمها بالتفريق بينها وبين أولادها، ثم بموت صغارها.
ولا شك - أخي - أن شعورك بالذنب بهذه الصورة التي ذكرت يدل على حياة قلبك وصدق شعورك بالندم على ما فعلت.
لكنك أيضا ربما بالغت في ذلك حتى وصل بك الأمر إلى اليأس والقنوط، وهذا لا شك أنه لا يجوز فالله تعالى يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/٥٣، فأين أنت عن سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء، وعن قبول الله تعالى لعباده التائبين حتى من كبار الذنوب؟
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم قتل عابداً فكمل به المائة ثم تاب توبة صادقة فقبل الله توبته – وهي في الصحيحين – فأين أنت منه؟ إنه قتل مائة نفسٍ وتاب وقبل الله منه، فلا يقعنَّ منك يأس ولا قنوط من عفو الله ورحمته، وأقدم على العمل الصالح وتذكر دائما قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) هود/١١٤.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب