ما هي الأوصاف التي يُنادى بها على الكافر؟ وهل يجوز قول "أخي" و "سيدي"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن طلاب ندرس في جامعة في أمريكا , ونعمل برامج دعوية لغير المسلمين للدعوة إلى الله، بعض الأحيان نستعمل بعض الطرق التي لا ندري عن صحتها مثل: "البرامج المختلطة بين الرجال والنساء " بحكم العادات، والتقاليد هنا في أمريكا، وبعض الأحيان نستعمل ألفاظ مثل "سيدي"، أو "صديقي"، أو "أخي"، وكلمة "أخي" تعتبر دارجة بين أوساط الشباب. أفتونا - مأجورين - في حكمها، ونرجو أن ترشدونا في كيفية التعامل مع غير المسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الدراسة المختلطة بين الرجال والنساء فيها مفاسد كثيرة، ولها آثار سيئة على كلا الجنسين، فإذا كانت هذه الدراسة المختلطة في بلد غربي: ازداد الأمر سوءً، وعظمت المفاسد.
وفي حكم الدراسة المختلطة: ينظر جواب السؤال رقم: (١١٠٢٦٧) .
وفي حكم الإقامة في البلاد غير المسلمة وبيان شروط ذلك ينظر جواب السؤال رقم: (٢٧٢١١) .
وفي الوقت الذي ننكر الدراسات المختلطة، لا سيما في مثل تلك الدول غير المسلمة: نشجع الطلبة على الالتزام ببرامج إيمانية فيها تزكية لنفوسهم؛ تعويضاً عما ينقص بالمشاهدات المحرَّمة، التي تضعف الإيمان، ونشجع على الالتزام ببرامج دعوية؛ استثماراً لوجودهم في هذه البلاد، لدعوة أهلها إلى الإسلام، وهي فرصة قد لا تتكرر.
فنرجو الله أن يوفقكم في مسعاكم، ونسأله أن يعظم لكم الأجور، ومن الجيد أن يكون لكم اتصال مع أهل العلم، ومواقع الفتوى، للسؤال عما يشكل عليكم.
ونحن يفرحنا وجود ترتيب لجهودكم في الدعوة إلى الله، وتنظيم لعملكم ذاك، ونرى أن الدعوة إلى الله في مثل تلك البلاد تحتاج لعقلاء، وحكماء، ومبدعين، لإيصال رسالة الإسلام لأكبر قدر ممكن من المدرسين، والطلبة، مع التنبيه أن يحاط ذلك كله بالالتزام بأحكام الشرع.
ثانياً
وجواباً على أسئلتكم تحديداُ نقول:
١- لا يجوز عمل برامج دعوية فيها اختلاط نساء برجال، ونرى أن التزامكم بالشرع في هذا الباب واجب عليكم؛ استجابة لأوامر الشرع في تحريم الاختلاط، ودفعاً للفتن المترتبة على ذلك.
وهذا إذا كنتم أنتم من يقيم ذلك المعرض، أو البرنامج.
وأما أن يكون قائماً من قبَل الجامعة، ويكون منكم استثمار له، بوجود زاوية أو فقرة تعرضون فيها مواد سمعية، ومرئية، ونصية، عن الإسلام: فلا نرى في ذلك بأساً، بشرط لا تشاركوا القائمين على هذا العمل في شيء من الأعمال المحرمة.
٢- لا يجوز لكم استعمال الألفاظ الشرعية الخاصة بالمسلمين، كلفظ " أخي "، ولا الألفاظ التي فيها إظهار المودة المنهي عن وجودها عند المسلم تجاه غير المسلم، كلفظ " صديقي "، ولا الألفاظ التي نهينا عن مخاطبة الكفار بها، كلفظ " سيِّد ".
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عن حكم قول: " أخي " لغير المسلم؟ وكذلك قول: " صديق " و " رفيق "؟ وحكم الضحك إلى الكفار لطلب المودة؟ .
فأجاب:
أما قول: " يا أخي " لغير المسلم: فهذا حرام، ولا يجوز، إلا أن يكون أخاً له من النسب، أو الرضاع؛ وذلك لأنه إذا انتفت أخوة النسب والرضاع: لم يبق إلا أخوَّة الدين، والكافر ليس أخاً للمؤمن في دينه، وتذكر قول نبي الله تعالى نوح: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) .
وأما قول: "صديق "، " رفيق "، ونحوهما: فإذا كانت كلمة عابرة يقصد بها نداء من جهل اسمه منهم: فهذا لا بأس به، وإن قصد بها معناها تودداً وتقربّاً منهم: فقد قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) ، فكل كلمات التلطف التي يقصد بها الموادة: لا يجوز للمؤمن أن يخاطب بها أحداً من الكفار.
وكذلك الضحك إليهم لطلب الموادة بيننا وبينهم: لا يجوز، كما علمت من الآية الكريمة" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (٣ / ٤٢، ٤٣) .
وانظر جواب السؤال رقم: (١١٨٣٤٣) تجد فتاوى أخرى في الموضوع.
وفي جواز معاملة الكفار بالرفق، واللين؛ طمعاً في إسلامهم: انظر جوابي السؤالين:
(٥٩٨٧٩) و (٤١٦٣١) .
٣- وأما النهي عن قول "سيد"، أو "سيدي" لأحدٍ من الكفار: فقد جاء ذلك في نص صحيح.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ) .
رواه أبو داود (٤٩٧٧) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وإذا كان هذا الحكم في المنافق فالكافر مثله، وقد جعل النووي رحمه الله هذا الحكم شاملاً للفاسق، والظالم، والمبتدع، فقد بوَّب في كتابه "رياض الصالحين"، فقال: "باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بـ "سيِّد"، ونحوه ".
وقال ابن القيم رحمه الله تحت فصل "خطاب الكتابي بسيدي ومولاي":
"وأما أن يُخاطب بـ "سيدنا"، و "مولانا"، ونحو ذلك: فحرام قطعاً، وفي الحديث المرفوع: (لا تقولوا للمنافق: سيدنا، فإن يكن سيدكم فقد أغضبتم ربكم) " انتهى.
" أحكام أهل الذمة " (٣ / ١٣٢٢) .
وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
"ولا يجوز وصف أعداء الله تعالى بصفات الإجلال والتعظيم كالسيد، والعبقري، والسامي ونحو ذلك، لما رواه أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن بريدة رضي الله عنه ... .
وقد قلَّت المبالاة بشأن هذا الحديث الشريف، حتى صار إطلاق اسم " السيد " ونحوه على كبراء الكفار، والمنافقين، مألوفاً عند كثير من المسلمين في هذه الأزمان، ومثل السيد " المستر " باللغة الإفرنجية، وأشد الناس مخالفة لهذا الحديث: أهل الإذاعات؛ لأنهم يجعلون كل مَن يستمع إلى إذاعاتهم من أصناف الكفار، والمنافقين، سادة، وسواء عندهم في ذلك الكبير، والصغير، والشريف، والوضيع، والذكر، والأنثى، بل الإناث هن المقدمات عندهم في المخاطبة بالسيادة، وفي الكثير من الأمور خلافاً لما شرعه الله من تأخيرهن.
وبعض أهل الأمصار يسمُّون جميع نسائهم: " سيدات "، وسواء عندهم في ذلك المسلمة، والكافرة، والمنافقة، والصالحة، والطالحة.
ويلي أهل الإذاعات في شدة المخالفة لحديث بريدة رضي الله عنه: أهل الجرائد، والمجلات، وما شابهها من الكتب العصرية؛ لأنهم لا يرون بموالاة أعداء الله، وموادتهم، وتعظيمهم بأساً، ولا يرون للحب في الله، والبغض في الله، والموالاة فيه، والمعاداة فيه: قدراً، وشأناً.
" تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران " (ص ٢٠، ٢١) ترقيم الشاملة.
ولا حرج من مناداة الكفار بأسمائهم أو "القرابة" – كما في قوله صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب "يَا عَمُّ" -، أو "المسمَّى الوظيفي" – كـ "رئيس الجامعة"، أو "عميد الكلية"، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم هرقل ب " عظيم الروم " -، وغيرها من الأوصاف المباح مناداته بها.
ثم ينبغي التنبيه إلى أن هذه الأحكام التي قررناها هي الأصل الذي يطالب به المسلم، ولكن قد يختلف الأمر باختلاف المصلحة المترتبة على مناداة الكافر بما قد يفهم منه تعظيمه، أو المفسدة المترتبة على عدم ذلك، فقد يكون الشخص قريباً جداً من الإسلام فمثل هذا لا بأس بتأليفه على الإسلام ويتسامح في حقه ما لا يتسامح في حق من عرف بالغلظة والشدة على المسلمين.
وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله:
"ومدار هذا الباب وغيره مما تقدم على المصلحة الراجحة، فإن كان في كنيته وتمكينه من اللباس وترك الغيار [يعني: عدم تغير أسمائهم ولباسهم إذا تسموا بأسماء المسلمين ولبسوا لباسهم] والسلام عليه أيضاً ونحو ذلك تأليفاً له ورجاء إسلامه وإسلام غيره كان فعله أولى، كما يعطيه من مال الله لتألفه على الإسلام، فتألفه بذلك أولى.
وقد ذكر وكيع عن ابن عباس أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: سلام عليك.
ومَن تأمَّل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تأليفهم الناس على الإسلام بكل طريق: تبيَّن له حقيقة الأمر، وعلِم أن كثيراً مِن هذه الأحكام التي ذكرناها - من الغيار، وغيره - تختلف باختلاف الزمان، والمكان، والعجز، والقدرة، والمصلحة، والمفسدة.
ولهذا لم يغيرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه، وغيرهم عمر رضي الله عنه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لأسقف نجران: أسلم أبا الحارث، تأليفاً له واستدعاء لإسلامه، ولا تعظيماً له وتوقيراً" انتهى.
"أحكام أهل الذمة" (٢/٥٢٤) .
والمناداة بالكنية، مثل: (أبا الحارث) فيها نوع توقير عند العرب، ففعله النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا النصراني تأليفا له على الإسلام.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب