تريد مفارقته، وهو لا يرغب بذلك، والحكومة لا تعترف بعقد زواجهما!
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تزوجت رجلاً إسلاميّاً، والعقد الإسلامي لا يُعترف به هنا في ألمانيا، والآن تريد أن تتطلق منه، وهو لا يريد، ويقول: إنها لا تستطيع، ماذا نفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا توفرت أركان عقد الزواج كاملة: فالعقد صحيح، وإن لم يوثَّق في الدوائر الرسمية.
ولكن ينبغي عدم التهاون في تسجيله حتى لا يؤدي ذلك إلى التلاعب أو إنكار أحد الزوجين للعقد.
ثانياً:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من غير ضرورة أو حاجة ملحة.
فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (١١٨٧) وأبو داود (٢٢٢٦) وابن ماجه (٢٠٥٥) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل هناك دليل شرعي فيه لعن للزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب شرعي؟ .
فأجاب:
"لا أحفظ حديثاً في اللعن، لكن هناك وعيد شديد، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، وهذا وعيد شديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن أن رائحة الجنة حرام عليها، فهذا وعيد شديد، فالواجب على المرأة أن تتقي الله في نفسها، وفي بعلها، وألا تطلب منه الطلاق إلا لسبب شرعي، لكن أحياناً تكون المرأة لا تطيق الصبر مع الزوج كراهة له، كما في زوجة ثابت بن قيس بن شماس" انتهى. وستأتي قصتها.
" لقاءات الباب المفتوح " (٨ / السؤال رقم ١٨) .
وينبغي التنبه إلى أن الممنوع في حقها هو طلب الطلاق من غير بأس، فإن كانت كراهيتها للبقاء معه بسبب سوء خلقه، أو تقصيره في الحقوق الزوجية: جاز لها طلب الطلاق، وبالطلاق تأخذ كامل حقوقها المالية منه، وأما إن كانت الكراهية من قبَلها، وكانت لا تستطيع البقاء معه مع عدم وجود ما يعيبه في دينه وخلقه: فإنها لا تطلب الطلاق، بل تطالب بالمخالعة، فتدفع له المهر الذي أعطاها، ثم يفارقها.
وقد سئل الشيخ العثيمين رحمه الله:
رجل تزوج امرأة، ثم بعد أيام قليلة طلبت منه الطلاق، وهو يرغب في أن تبقى في عصمته، فقال لها بعد الدخول: إن شئت خالعتك، فرفعت أمرها للقضاء، وحصلت على الطلاق، وهو يرغب في بقائها معه، فهل يقع هذا الطلاق؟ .
فأجاب:
"هذه المرأة التي سألت زوجها الخلع - والخلع معناه: أن يفارق الزوج زوجته بعوَض، سواء كان العوض منها، أو من أبيها، أو من رجل أجنبي - ونحن نقول:
أولاً: لا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لسبب شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، أما إذا كان هناك سبب شرعي، بأن كرهته في دينه، أو كرهته في خلُقه، أو لم تستطع أن تعيش معه وإن كان مستقيم الخلق والدين: فحينئذٍ لا حرج عليها أن تسأل الطلاق، ولكن في هذه الحال تخالعه مخالعة، بأن ترد عليه ما أعطاها، ثم يفسخ نكاحها.
ودليل ذلك: (أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته؟ وكان قد أصدقها حديقة، فقالت: نعم يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) ، فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها: فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل أن يأمره بذلك، قال بعض العلماء: يلزم بأن يخالع؛ لأن في هذه الحال لا ضرر عليه؛ إذ إنه سيأتيه ما قدم لها من مهر، وسوف يريحها.
أما أكثر العلماء فيقولون: إنه لا يلزم بالخلع، ولكن يندب إليه ويرغب فيه، ويقال له: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) .
وأنا أرى أننا الآن أمام مشكلة: فبقاؤها في عصمته يمنعها من أن تتزوج بزوجٍ آخر، وظاهراً حسب حكم المحكمة أنها طلقت منه، وأنها إذا انتهت عدتها تجوز للأزواج، فأرى للخروج من هذه المشكلة أنه لا بد من أن يتدخل أهل الخير والصلاح في هذه المسألة، من أجل أن يصلحوا بين الزوج وزوجته، وإلا فعليها أن تعطيه عوضاً، حتى يكون ذلك خلعاً شرعيّاً" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (٥٤ / السؤال رقم ١) .
والخلاصة:
أن العقد بين الزوجين – كما هو الظاهر –صحيح، ولا يجوز لها طلب الطلاق من زوجها إلا من ضرورة، فإن كانت كراهية البقاء معه بسبب من الزوج: طلبت الطلاق وأخذت حقوقها كاملة، وإن كانت الكراهية من قبَلها: طلبت المخالعة، ويفضَّل أن يقبل بها، ولا يمانع.
والذي نشير به عليهما: توسيط أهل الخير من أهل العلم والحكمة للإصلاح بينهما، فإن وصلت الأمور لطريق مسدودة: فلا يجوز لها الزواج من غيره اعتماداً على عدم اعتراف الحكومة الألمانية بعقد زواجها، بل لا بدَّ من أن يكون الفراق بينها وبين زوجها وفق الكتاب والسَّة، وحينئذ، فلابد للزوجين من الذهاب إلى أحد المراكز الإسلامية ليتم حل مشكلتهما وفق أحكام الشريعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب