هل يسمح لخالته النصرانية بالبقاء معه في السكن حتى يدعوها للإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل وأعيش حاليا في أمريكا، وأسأل ما إذا كان يحرم علي أن أسمح لخالتي غير المسلمة أن تعيش معي. المذكورة نصرانية وأنا أدعوها للإسلام لكن بعض كبار السن يكونون عنيدين. فما هو الدليل من الكتاب والسنة حول العيش هنا معهم؟ وإذا كان علماء الأمة تناولوا هذه المسألة، فما هو قولهم فيما نواجهه في أمريكا وبريطانيا تحديدا أو غيرهما من البلدان غير الإسلامية ونحن نشكل أقلية في أماكن إقامتنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز لك السماح لخالتك، بأن تبقى معك؛ لأجل دعوتها إلى الإسلام وترغيبها فيه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن رؤيتها لكم، ومعاينتها لأخلاقكم وحسن تعاملكم، قد تكون سببا لانشراح صدرها، واطمئنان نفسها لهذا الدين العظيم، وكثيرا ما تكون الأخلاق والمعاملة أبلغ بكثير من الأقوال والمواعظ. فاجتهد في ذلك، فلأن يهديها الله على يديك خير لك من الدنيا وما فيها.
وينبغي أن تتحلى بالصبر والحلم، وأن تقابل السيئة بالحسنة، والخطأ بالعفو والصفح، كما قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/٣٤
ومما يدل على جواز إبقاء الكافر بين المسلمين، ليرى أخلاقهم ويتعرف على دينهم، ما جاء في قصة ثُمامة بن أُثال، وربطه في المسجد ثلاثة أيام، بعد أن أسره المسلمون، ثم عفى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم. وقصته في صحيح البخاري (٤٣٧٢) ومسلم (١٧٦٤) .
والخالة لها حق في صلة الرحم لقرابتها، ولو كانت كافرة، فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ) رواه البخاري (٢٧٠٠)
وروى الترمذي (٣٩٧٥) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ لا قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَبِرَّهَا) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسماء: (صِلِي أُمَّكِ) رواه البخاري (٢٦٢٠) ومسلم (١٠٠٣) ، وكانت أمها كافرة
ثانيا:
إقامة الإنسان في البلدان غير الإسلامية لا بد فيها من شرطين أساسين، بينهما أهل العلم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الأول: أمن المقيم على دينه، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان، قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/٢٢. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) المائدة/ ٥١، ٥٢، وثبت في الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم: (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) رواه البخاري (٦١٦٨) ومسلم (٢٦٤١)
ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرا على المسلم، لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم،.."
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه، بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ " انتهى من "شرح الأصول الثلاثة" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ضمن مجموع الفتاوى له (٦/١٣٢) .
ومن لم يتوفر فيه هذان الشرطان وجبت عليه الهجرة إلى ديار الإسلام، إن كان قادرا على ذلك، فإن عجز عن الهجرة، فهو معذور؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا * فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء/٩٧- ٩٩، وانظر "المغني" لابن قدامة (٨/٤٥٧) .
وانظر للأهمية سؤال رقم (٢٢٣٠٩)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب