ما هي الحكمة من تألُّم الأطفال في الدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حاولت أن أدعو صديقاً لي في العمل للإسلام والإيمان بالله فقال إن الحاجز الذي يعيقه عن الإيمان بالله هو أن الأطفال البريئين يتألمون في هذه الدنيا، وهو لا يستطيع أن يفهم لماذا يحصل هذا الشيء.
فما هي الطريقة المثلى لأُجيبه على هذا الإشكال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يعلم الناس جميعاً أن الله تعالى حكيم، وأن في أوامره وتقديراته الحكمة البالغة، وأنه قد يعلم عباده أو بعض عباده حكمته فيها، وقد يخفيها عنهم ابتلاء واختباراً.
والأمور العامة التي يفعلها تكون لحكمة عامة، وذلك كإرسال النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر أنه أرسله رحمة للعالمين، ومثلها خلق الجن والإنس إنما هو لتوحيده سبحانه وتعالى.
قال ابن تيمية:
وعلى هذا فكل ما فعله علمْنا أن له فيه حكمة، وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفصيل، وعدم علْمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته، وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ـ أي حقيقة ـ ذاته فغير معلومة لنا: فلا نكذب بما علمناه ـ أي من كماله ـ ما لم نعلمه ـ أي من تفاصيل هذا الكمال ـ، وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به، وعدم علْمنا بالحكمة فى بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته، فلا نكذب بما علمناه من حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها.
ونحن نعلم أن مَن علم حذق أهل الحساب والطب والنحو ولم يكن متصفاً بصفاتهم التى استحقوا بها أن يكونوا من أهل الحساب والطب والنحو: لم يمكنه أن يقدح فيما قالوه لعدم علمه بتوجيهه، والعباد أبعد عن معرفة الله وحكمته فى خلقه من معرفة عوامهم بالحساب والطب والنحو، فاعتراضهم على حكمته أعظم جهلاً وتكلفاً للقول بلا علم من العامي المحض إذا قدح فى الحساب والطب والنحو بغير علمٍ بشىءٍ من ذلك. " مجموع الفتاوى " (٦ / ١٢٨) .
وإيلام الله تعالى للأطفال لا شك ولا ريب أنه لحكمٍ عظيمة لكنها قد تخفى على بعض الناس فينكر تقدير الله تعالى لهذا الأمر، ويَدخل عليه الشيطان من خلاله فيصده عن الحق والهدى.
ومن حِكم الله تعالى في ألم الأطفال:
١. الاستدلال به على مرضه أو وجعه، ولولا ذلك ما عُلم ما به من مرض.
٢. البكاء الذي يولٍّده الألم، وفيه منافع عظيمة لجسم الطفل.
٣. الاعتبار والاتعاظ، فقد يكون أهل الطفل هذا من مرتكبي المحرَّمات أو تاركي الواجبات، فإذا رأوا تألَّم طفلهم فقد يرجعهم ذلك إلى ترك المحرَّمات كأكل الربا أو الزنا أو ترك الصلوات أو شرب الدخان، وخاصة إذا كان هذا الألم بسبب مرض تسببوا بوجوده كبعض ما سبق ذكره من المحرَّمات.
٤. التفكر في الدار الآخرة، وأنه لا سعادة ولا هناء إلا في الجنة، ولا يكون هناك ألَم ولا عذاب، بل صحة وعافية وسعادة، والتفكر في النار وأنها دار الألَم الدائم غير المنقطع، فيعمل ما يقربه إلى الجنة، ويباعده عن النار.
قال ابن قيم الجوزية:
ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة؛ فإن الأطباء والطبائعيين شهدوا منفعة ذلك وحِكمته، وقالوا: في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمةً، فالبكاء يسيِّل ذلك ويحدِّره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح.
وأيضاً: فإن البكاء والعِياط – أي: الصراخ - يوسِّع عليه مجاري النَّفَس، ويفتح العروق، ويصلِّبها، ويقوِّي الأعصاب.
وكم للطفل مِن منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه، فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك: فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة مِن الحكَم ما قد خفي على أكثر النَّاس، واضطرب عليهم الكلام في حِكمته اضطراب الأرشية – أي: الخصوم -. " مفتاح دار السعادة " (٢ / ٢٢٨) .
وقال – أيضاً -:
هذه الآلام هي من لوازم النشأة الإنسانية التي لا ينفك عنها الإنسان ولا الحيوان، فلو تجرَّد عنها لم يكن إنساناً بل كان ملَكا أو خلقاً آخر.
وليست آلام الأطفال بأصعب من آلام البالغين، لكن لما صارت لهم عادة سهُل موقعها عندهم، وكم بين ما يقاسيه الطفل ويعانيه البالغ العاقل.
وكل ذلك من مقتضى الإنسانية وموجب الخلقة، فلو لم يُخلق كذلك لكان خلقاً آخر، أفترى أن الطفل إذا جاع أو عطش أو برَد أو تعب قد خُصَّ من ذلك بما لم يُمتحن به الكبير؟ فإيلامه بغير ذلك من الأوجاع والأسقام كإيلامه بالجوع والعطش والبرد والحر دون ذلك أو فوقه، وما خلق الإنسان بل الحيوان إلا على هذه النشأة.
قالوا: فإن سأل سائل وقال: فلم خُلق كذلك؟ وهلا خُلق خلقة غير قابلة للألم؟
فهذا سؤال فاسد؛ فإن الله تعالى خلَقه في عالم الابتلاء والامتحان من مادة ضعيفة، فهي عرضة للآفات، وركبَّه تركيباً معرَّضا للأنواع من الآلام ...
فوجود هذه الآلام واللذات الممتزجة المختلطة من الأدلة على المعاد، وأن الحكمة التي اقتضت ذلك هي أولى باقتضاء دارين: دار خالصة للذات لا يشوبها ألم ما، ودار خالصة للآلام لا يشوبها لذة ما، والدار الأولى: الجنة، والدار الثانية: النار ... " مفتاح دار السعادة " (٢ / ٢٣٠، ٢٣١) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب