طلقها ثلاثا فهل يرجع إليها بحجة أن النكاح كان فاسدا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت السؤال رقم ٩٦٤٦٠ والسؤال رقم ٨٥٣٣٥ وسؤالي شبيه بهذين السؤالين لكنى أسأل للتأكد من موقفي فقد اقترفت أنا وزوجي إحدى الكبائر وهى كبيرة الزنا ولم يتب أي منا قبل الزواج لكن وقع الطلاق بيننا بعد سنوات قليلة وقد طلقني ثلاثا. وسؤالي الآن هو هل كان زواجنا صحيحا أم لا؟ وإذا لم يكن صحيحا وأردنا العودة فهل نعود من نقطة الصفر وأعنى هل يكون لديه الثلاث طلقات من جديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الفقهاء في صحة نكاح الزاني للزانية قبل التوبة، فذهب الجمهور إلى صحته،
وذهب الحنابلة إلى أنه لا يصح نكاح الزانية حتى تتوب، ولم يشترطوا توبة الزاني لصحة النكاح. "الإنصاف" (٨/١٣٢) ، "كشاف القناع" (٥/٨٣) .
والتوبة تكون بالإقلاع عن الفعل، والندم والعزم على عدم العود إليه.
وما في السؤالين المشار إليهما فيهما تبني القول بعدم صحة النكاح.
ثانيا:
هذا النكاح المختلف فيه، يسمى نكاحا فاسدا، ومن أقدم عليه معتقدا فساده، فهو زان، وأما من أقدم عليه معتقدا صحته – وهذا حال أكثر الناس حين يقدمون على الأنكحة المختلف فيها، كالنكاح بدون ولي، والنكاح مع فسق الولي أو الشاهدين – فإنه لا يعد زانيا، ويترتب على نكاحه أكثر أحكام النكاح الصحيح:
فيلزمه المهر، وينسب إليه الولد، ويقع طلاقه لو طلق.
وليس لأحد بعد وقوع الطلاق أن يبحث في أصل عقد النكاح، هل كان صحيحا أو فاسدا، ليتخلص من الطلاق، فإن هذا تلاعب بالدين، فإنه كان يستمتع بزوجته على أنها زوجة له، ثم طلقها ليرفع حكم الزوجية التي كان يعتقد وجودها، فكيف يعود ليقول إن النكاح لم يصح؟!
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة وليها فاسق , يأكل الحرام , ويشرب الخمر , والشهود أيضا كذلك , وقد وقع به الطلاق الثلاث فهل له بذلك الرخصة في رجعتها؟
فأجاب: "إذا طلقها ثلاثا وقع به الطلاق , ومن أخذ ينظر بعد الطلاق في صفة العقد ولم ينظر في صفته قبل ذلك , فهو من المتعدين لحدود الله , فإنه يريد أن يستحل محارم الله قبل الطلاق وبعده. والطلاق في النكاح الفاسد المختلف فيه [يقع] عند مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة , والنكاح بولاية الفاسق يصح عند جماهير الأئمة. والله أعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (٣٢/١٠١) .
وقال أيضاً (٣٢/٩٩) :
"ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه إذا اعتقد صحته" انتهى.
وقال أيضا:
"وليس لأحد بعد الطلاق الثلاث أن ينظر في الولي هل كان عدلا أو فاسقا , ليجعل فسق الولي ذريعة إلى عدم وقوع الطلاق , فإن أكثر الفقهاء يصححون ولاية الفاسق , وأكثرهم يوقعون الطلاق في مثل هذا النكاح , بل وفي غيره من الأنكحة الفاسدة ...
وهذا الزوج كان يستحل وطأها قبل الطلاق , ولو ماتت لورثها , فهو عامل على صحة النكاح , فكيف يعمل بعد الطلاق على فساده؟! فيكون النكاح صحيحا إذا كان له غرض في صحته , فاسدا إذا كان له غرض في فساده. وهذا القول يخالف إجماع المسلمين فإنهم متفقون على أن من اعتقد حل الشيء , كان عليه أن يعتقد ذلك سواء وافق غرضه أو خالفه , ومن اعتقد تحريمه كان عليه أن يعتقد ذلك في الحالين.
وهؤلاء المطلقون لا يفكرون في فساد النكاح بفسق الولي إلا عند الطلاق الثلاث , لا عند الاستمتاع والتوارث , يكونون في وقت يقلدون من يفسده , وفي وقت يقلدون من يصححه ; بحسب الغرض والهوى , ومثل هذا لا يجوز باتفاق الأمة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (٣/٢٠٤) .
وقال ابن رجب رحمه الله: " ويترتب عليه [النكاح الفاسد] أكثر أحكام الصحيح، من وقوع الطلاق، ولزوم عدة الوفاة بعد الموت، والاعتداد منه بعد المفارقة في الحياة، ووجوب المهر فيه بالعقد، وتقرره بالخلوة، فلذلك لزم المهر المسمى فيه كالصحيح " انتهى من "القواعد" ص (٦٨) .
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (٥/٢٣٧) : "ويقع الطلاق في النكاح المختلف في صحته كالنكاح بولاية فاسق، أو النكاح بشهادة فاسقين، أو بنكاح الأخت في عدة أختها البائن، أو نكاح الشغار، أو نكاح المحلل، أو بلا شهود، أو بلا ولي وما أشبه ذلك، كنكاح الزانية في عدتها أو قبل توبتها" انتهى.
وفيه النص على مسألتنا وهي نكاح الزانية قبل التوبة، وأن الطلاق يقع في هذا النكاح.
وقد تقدم أن الجمهور يصححون هذا النكاح، وعليه؛ فلا إشكال عندهم في وقوع الطلاق فيه.
وأما الحنابلة فيقولون بفساد النكاح، لكنهم يوقعون الطلاق فيه، وبهذا يُعلم اتفاق الجميع على وقوع الطلاق في هذه المسألة.
وبناء على هذا، فلا يجوز إلغاء ما وقع من الطلاق، ولا يحل لك أن تعودي لذلك الزوج حتى تنكحي زوجاً غيره، نكاحاً صحيحاً بقصد الاستمرار معه، لا بقصد التحليل، ثم إن حصل وطلقك ذلك الزوج الثاني أو مات، فلك الرجوع إلى الأول بعقد جديد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب