للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل الأذان من الوحي أو اقتراح من صحابي

[السُّؤَالُ]

ـ[أعتقد أني قرأت عن أن الأذان للصلاة اقترحه شخص على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال أنه لا يريد أن يستخدم الأجراس التي يستخدمها النصارى أو مثلما يفعل اليهود للنداء لصلواتهم. فالسؤال هو: كيف يتفق ذلك الحدث مع الاعتقاد بأن كل ما يأمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا وحي يوحى؟ إنني لا أحاول أن أكون مجادلاً ولكن سألت ذلك السؤال بقلب نقي أريد فيه المزيد من الفهم. وشكراً.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الأذان يراد به في اللغة الإبلاغ وفي الشرع الإبلاغ والإعلام بدخول الوقت، وقد شرع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة لحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال وما تصنع به؟ قال قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك فقلت: بلى. قال تقول: الله اكبر .... (إلى نهاية الأذان) ... قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألْقِ عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجرّ رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أُرِي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد. رواه أحمد (١٥٨٨١) والترمذي (١٧٤) وأبو داود (٤٢١) و (٤٣٠) وابن ماجه (٦٩٨) .

يتّضح من هذا الحديث:

أنّ كلمات الأذان رؤيا منام رآها صحابي جليل وأقره عليها نبينا الكريم، فهي ليست اقتراحاً كما ذكرت، بل هي رؤيا، ومن المعلوم أن الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة لما جاء في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة " رواه أحمد (٤٤٤٩) .

ورواه البخاري بلفظ " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ". رواه البخاري (٦٤٧٤) ومسلم (٤٢٠٣) و (٤٢٠٠٥) .

فالرؤيا هنا كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها رؤيا حق فهي من الله وليست اقتراحاً من شخص فهي نبوة بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها أنها رؤيا حق ولو لم يقر لها الرسول لم تكن رؤيا حق وليست من النبوة، فالذي قضى بأنّها حقّ هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي أمر بالعمل بها هو النبي صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من ربه.

وقد رأى عمر رضي الله عنه مثل ذلك ولا ننسى أنّ عمر من الخلفاء الراشدين المهديين حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ". رواه الترمذي (٢٦٠٠) وابن ماجه (٤٣) وأحمد (١٦٥١٩) .

وقد وافق عمر رضي الله عنه الوحي والتشريع الإلهي مراراً كثيرة وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان يقول قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم ". رواه البخاري (٣٢٨٢) ومسلم (٢٣٩٨) وعنده: قال ابن وهب تفسير " محدَّثون ": ملهمون.

فإن قلت ولماذا كان ابتداء الأذان بهذه الطريقة حيث يراها صحابيان ثمّ يؤكّدها الوحي ولم تكن من الوحي مباشرة كغيرها من الأحكام فالجواب أنّ الله يشرع ما يريد كما يريد عزّ وجلّ ولعلّ فيما حدث إظهارا لفضل هذين الصحابيين وإثباتا للخير في هذه الأمة وأن منهم من يوافق الوحي وأنّ فيهم منامات صادقة تدلّ على صدقهم فإنّ أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخيرا

فإن مما هو معلوم في كتب أهل العلم في تعريف السنّة: بأنها كلّ ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من'' قول أو فعل أو تقرير ''.

فالقول والفعل واضحان وأما التقرير فهو أن يفعل أحد أمامه فعلاً فإن أقره فهو شرع لا لفعل ذلك الرجل ولكن لموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يسكت على الباطل ولا يقرّ أحداً على باطل وضلال.

وقد لا يقره على ذلك وينهاه، كما فعل عليه الصلاة والسلام مع الصحابي أبي إسرائيل فيما رواه ابن عباس قال: " بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، قال: مُرُوه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه ". رواه البخاري (٦٣٢٦) .

فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا إسرائيل على نذر الصوم، وأبطل عليه باقي ما نذره، فلم يقره عليه.

فيتّضح إذن أنّ الأذان صار شرعا ودينا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للصحابيين على ما أراهما الله في المنام وأمره لعبد الله بن زيد أن يلقيه على بلال ليؤذّن به، ولعل ما سبق من الإيضاح يكون قد أزال الإشكال وبيّن الأمر لك أيها الأخ السائل ونسأل الله لنا ولك الفقه في الدين. والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

الشيخ محمد صالح المنجد

<<  <  ج: ص:  >  >>