التعدي بالحكم على شخص بالردَّة لأنه خرج مع فتاة متبرِّجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن قال لشخص: قد ارتددت عن الإسلام؟ لأنه ذهب مع فتاة متبرجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمسلم أن يتساهل في إطلاق لفظ الكفر فإن الحكم على المسلم الموحِّد بأنه كافر من كبائر الذنوب. وقد روى مسلم (٦٠) عن عبد الله بن عمر أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ) .
وروى البخاري (٦٠٤٥) عن أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلا بِالْفُسُوقِ وَلا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ)
ثانياً:
ينبغي لمن أراد أن ينكر منكراً، أو أن يعظ عاصياً أن يكون ذلك برفق ولين فإنه أقرب إلى قبول كلامه والتأثر بموعظته فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)
قال النووي:
وفي هذا الحديث " فَضْل الرِّفْق وَالْحَثّ عَلَى التَّخَلُّق بِهِ , وَذَمّ الْعُنْف , وَالرِّفْق سَبَب كُلّ خَيْر. وَمَعْنَى يُعْطِي عَلَى الرِّفْق أَيْ يُثِيب عَلَيْهِ مَا لا يُثِيب عَلَى غَيْره. وَقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ يَتَأَتَّى بِهِ مِنْ الأَغْرَاض , وَيُسَهَّل مِنْ الْمَطَالِب مَا لا يَتَأَتَّى بِغَيْرِهِ " اهـ.
وأما إطلاق نحو هذه الألفاظ: كافر، فاسق، مرتد، ... إلخ
فقد يكون سبباً لنفور الشخص وتماديه في المعصية وعدم قبوله الحق.
قال الحافظ في شرحه لحديث أبي ذر المتقدم:
"وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ قَالَ لآخَر أَنْتَ فَاسِق أَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ كَافِر فَإِنْ كَانَ لَيْسَ كَمَا قَالَ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقّ لِلْوَصْفِ الْمَذْكُور , وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَمَا قَالَ لَمْ يَرْجِع عَلَيْهِ شَيْء لِكَوْنِهِ صَدَقَ فِيمَا قَالَ , وَلَكِنْ لا يَلْزَم مِنْ كَوْنه لا يَصِير بِذَلِكَ فَاسِقًا وَلا كَافِرًا أَنْ لا يَكُون آثِمًا فِي صُورَة قَوْله لَهُ أَنْتَ فَاسِق بَلْ فِي هَذِهِ الصُّورَة تَفْصِيل: إِنْ قَصَدَ نُصْحه أَوْ نُصْح غَيْره بِبَيَانِ حَاله جَازَ , وَإِنْ قَصَدَ تَعْيِيره وَشُهْرَته بِذَلِكَ وَمَحْض أَذَاهُ لَمْ يَجُزْ ; لأَنَّهُ مَأْمُور بِالسِّتْرِ عَلَيْهِ وَتَعْلِيمه وَعِظَته بِالْحُسْنَى , فَمَهْمَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِالرِّفْقِ لا يَجُوز لَهُ أَنْ يَفْعَلهُ بِالْعُنْفِ لأَنَّهُ قَدْ يَكُون سَبَبًا لإِغْرَائِهِ وَإِصْرَاره عَلَى ذَلِكَ الْفِعْل كَمَا فِي طَبْع كَثِير مِنْ النَّاس مِنْ الأَنَفَة" اهـ.
ثالثاً:
" الذهاب مع فتاة متبرجة لا يكون كفراً، بل هو معصية لكونه من وسائل وقوع الفاحشة، ولكن ينبغي نصح هذا الشخص الذي ذهب مع الفتاة المتبرجة لعل الله أن يهديه" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (١٧/٦٦) .