نظام الادخار في أرامكوا والموقف من اختلاف الفتوى فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من موظفي أرامكو السعودية، يهمنا كما يهم أي فرد مسلم شرعية الأموال التي يحصل عليها، وإننا في الآونة الأخيرة وقعنا في حيرة عظيمة لا يعلم بها إلا الله عز وجل، لعل عندكم شيئاً من علم عن نظام الادخار في أرامكو السعودية، (فالشركة تحفزني بأن أدخر عندهم بإعطائي مكافئة عند التقاعد أو عند ترك العمل في الشركة.
المساهمة هي نسبة مئوية من مساهمتي حسب بقائي في الخدمة، مثلاً
إذا كانت مساهمتي الكلية ١٠٠٠٠٠ ريال وخدمتي في الشركة ١٠ سنوات فتكون مكافئتي من الشركة هي ١٠٠٠٠٠ ريال.
وإذا كانت مدة خدمتي ٧ سنوات فتكون مكافئتي ٧٠% فقط من ١٠٠٠٠٠ ريال وهي ٧٠٠٠٠ ريال.
وإننا كما نعلم مسبقا أن هذا النظام محرم شرعا بحكم فتوى اللجنة الدائمة الصادر في ذلك، ولكننا في الآونة الأخيرة جاءتنا فتوى من الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله بجواز هذا النظام الادخاري، فوقعنا بذلك في حيرة، فلا نعلم هل نتبع اللجنة أم نتبع الشيخ المنيع بحكم تخصصه في المجالات الاقتصادية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نظام الادخار المعمول به في شركة أرامكوا نظام محرم، وهو ربا صريح؛ لكونه قرضاً جر نفعاً، فإن من دفع ١٠٠,٠٠٠ ليأخذها بعد مدة عشر سنوات، أو سبع، أو غير ذلك، مضافا إليها مكافأة قدرها ١٠٠,٠٠٠ أو ٧٠,٠٠٠، أو ريالا واحدا، فقد وقع في الربا الصريح، المحرم بإجماع العلماء.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أَنَّ أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرضٍ جرَّ منفعة.) المغني ٦/٤٣٦
ولا عبرة بتسمية الشركة لهذه المعاملة ادخارا أو استثمارا أو مضاربة، فإن كل استثمار ضُمن فيه رأس المال لصاحبه، فهو عقد قرض، وإن سماه الناس غير ذلك، فالعبرة بحقائق الأشياء لا بمسمياتها.
أما الاستثمار، أو التوفير، أو الادخار المشروع فيقوم على أسس أهمها:
١- أن يكون المال منك، والعمل من الطرف الآخر، ولا مانع أن يدخل بحصة من المال مع العمل.
٢- أن يكون مجال الاستثمار مباحا، معلوما لك، فإن غالب هذه الشركات تستثمر المال بوضعه في بنوك الربا، أو إقامة مشاريع غير مباحة.
٣- أن تتفقا على نسبة محددة من الربح، لا من رأس المال، فيكون لك ٥٠ % أو ١٠ % من الربح مثلا.
٤- أن لا يضمن المضارب لك رأس المال، بل متى وقعت الخسارة - بلا تفريط منها - فالخسارة في مالك، ويخسر هو عمله.
وحيث كان رأس المال مضمونا فالمعاملة قرض يلزم سداده دون زيادة، فإن اشتُرطت فيه الزيادة فهو ربا.
نسأل الله أن يصرف عنا الربا وشره وخطره، وأن يغنينا بحلاله عن حرامه.
والحاصل أن نظام الادخار في شركة أرامكو محرم؛ لضمان رأس المال فيه، ولكون الربح نسبة محددة من رأس المال، فهو حينئذ قرض بفائدة، ولجهالة الجهة التي تستثمر فيها الأموال.
وقد أشارت اللجنة الدائمة إلى بطلان الدعوى بأن ما يعطاه الموظف مكافأة من الشركة؛ لأنها لا تعطي هذا إلا لمن يدخر، ولو كانت مكافأة محضة لشملت جميع الموظفين.
- وكما ذكر السائل فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ومعه الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الله بن قعود – وهم من كبار العلماء – عن نظام الإدخار في شركة أرامكوا فأجابوا بما نصه: " الاشتراك في نظام الادخار بشركة أرامكوا حرام؛ لما فيه من ربا الفضل وربا النسأ، وذلك لما فيه من تحديد نسبة ربوية تتراوح ما بين خمسة بالمائة ومائة بالمائة من المال المدخر للموظف السعودي، وكذا ما يُعطاه الموظف المُدَخِر من المكافأة دون من لم يدخر من موظفيها، كما هو منصوص في نظام ادخارها. "
فتاوى اللجنة الدائمة ١٣/٥١٠-٥١٥
وكذا أفتى الشيخ محمد بن صالح العثيمين وغيره من أهل العلم بتحريم نظام الإدخار في شركة أرامكوا.
ثانياً:
إذا اختلف العلماء في الحكم الشرعي في مسألة شرعية فعلى المستفتي أن يجتهد في معرفة الحق بالنظر في أدلة كلا الفريقين فيعمل بما ترجح له. هذا فيما لو كان المستفتي طالب عالم له القدرة على الترجيح.
أما إن لم يتمكن من الترجيح نظراً لعدم تخصصه في العلم الشرعي فالواجب عليه أن يأخذ بقول الأعلم والأوثق عنده، وليس له أن يتخير من الأقوال ما يشاء.
وفي مسألتنا هذه تبين أن كبار العلماء أفتوا بالتحريم، وهم أعلم وأوثق ممن خالفهم – وليس هذا قدحاً في الطرف الثاني -، لذا فالواجب عليك الابتعاد عن هذا النظام لما تقدم.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن موقف المسلم من اختلاف العلماء فأجاب: " إذا كان المسلم عنده من العلم ما يستطيع به أن يقارن بين أقوال العلماء بالأدلة، والترجيح بينها، ومعرفة الأصح والأرجح وجب عليه ذلك، لأن الله تعالى أمر برد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة، فقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) النساء/٥٩. فيرد المسائل المختلف فيها للكتاب والسنة، فما ظهر له رجحانه بالدليل أخذ به، لأن الواجب هو اتباع الدليل، وأقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة.
وأما إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء، فهذا عليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به، قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) الأنبياء/٤٣. وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه.
فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم، وهذا كما أن الإنسان إذا أصيب بمرض فإنه يبحث عن أوثق الأطباء وأعلمهم ويذهب إليه لأنه يكون أقرب إلى الصواب من غيره، فأمور الدين أولى بالاحتياط من أمور الدنيا.
ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى.
بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً، وأشد خشية لله تعالى " انتهى من كتاب اختلاف العلماء أسبابه وموقفنا منه ص٢٣، أنظر السؤال (٢٢٦٥٢) .
وعلى المسلم أن يحذر من استفتاء من عُرف بالتساهل ومخالفة من هو أعلم منه من العلماء الثقات، وليحذر المسلم من اتباع الهوى والأخذ بالفتاوى التي توافق ما تريده نفسه وتهواه فإن المسلم مطالب بمخالفة هوى النفس، قال تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب