للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعرضت للتحرش الجنسي وتركها خطيبها

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر ١٩ سنة، نشأت في ظل أسرة علمت أبناءها " لا إله إلا الله محمد رسول الله " منذ النشأة ورسخت مبادئ الدين في عقولهم وركائز الإسلام في قلوبهم والحمد والشكر لله عز وجل.

تعرضت وأنا بنت ١٦ سنة إلى اعتداء جنسي تكرر ٨ مرات من طرف شخص يقرب عائلتي، لم يكتفِ بفعلته بل تسرب كابوسه إلى حياتي كلها، فأصبح يظهر لي في كل الوجوه، ذلك بعد أن مرت فترة دفنتُ فيها هذه الذكرى المحزنة بمساعدة خطيبي بعد الله تعالى، الذي أخبرته عن كل ما وقع معي وبالتفصيل الممل؛ ذلك لأنه علم بالأمر من أشخاص لا أعرفهم لحد الآن، والذين أمدوه برقم الهاتف الخاص الذي يخص ذلك الشخص فاتصل به ولم يتفانى هذا الأخير في إعطائه معلومات خاطئة ولا تمت للحقيقة بصلة، فحينها عندما أخبرني بالأمر، لم يكن بوسعي سوى التفسير، حينها تفهم خطيبي الوضع، وحاول تنسيته لي، بعدها وقع خلاف بيننا فاقترحت البعد فترة حتى نهدأ جميعاً، وحتى نصل إلى الحل الأمثل، لكنني فوجئت بردة فعله ألا وهي الفراق، حاولت معرفة السبب فإذا بما دفن يقوم ليؤكد لي ضعفي وضعف شخصيتي وقلة عقلي وينتصر عليَّ فيدمر حياتي، وهذا هو ما صبا إليه ذلك الشخص، حاولت - سيدي الفاضل - تسوية المسألة إلا أنه صمم على أن أستشير أحد الأساتذة والدعاة وأصحاب الدين في مسألتي وأن أطلب منهم الأجر والثواب الذي سينتظره، وماذا عليه القيام به، خصوصا وأن فكرة الانتقام لا تفارق خياله، كما أرجو أن تدعم لي بقصة حصلت قبل هذا الوقت، وأسألك بدوري ماذا عساني أن أفعل؟ فلا أحد يصدق أني بريئة مما حصل لي غيره سبحانه، فما أشكو بثي وحزني إلا لله هو العلام الخبير، مع العلم أني كنت جافة صارمة مع خطيبي خلال الفترة الأخيرة وكنت السبب في معاناته لكنني أدركت خطئي وأريد التكفير عنه، فماذا عساني أن أفعل؟ .

وأخيراً: أطلب منك العذر والمسامحة، كما أتمنى أن تجيبني في أقرب وقت، وجزاك الله عني كل خير.

معلومة: قد تسألني لماذا لم أخبر أسرتي خصوصا وأن الأمر تكرر ٨ مرات لكن ما أريد قوله أنه كان الخوف والخوف من الفضيحة خصوصا أنه كان يضربني ويهددني وأن باب الحوار داخل أسرتي كان شبه مقفل في هذه الأمور.

أرجوا أن تفهمني وتتفهمني وجزاك الله عني كل خير.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نسأل الله تعالى أن يجبر كسرك، ويفرج همك، فمآسي التحرش كثيرة، وآثاره على النفس عظيمة، ونسأل الله تعالى أن يهلك هؤلاء المتحرشين والذين لا يردعهم دين ولا عقل ولا فطرة، فقد استهانوا بدينهم، ولوثوا عقولهم، ونكَّسوا فطرتهم.

وإن كان منا عجب فهو أنه قد تحرش بك ذلك المجرم في سن ال ١٦! وهي سن كبيرة تستطيعين فيها الصراخ والدفاع عن النفس، وخاصة أنه قد تكرر فعله معك عدة مرات، وكان بإمكانك قطع الطريق عليه – أيضاً – بإخبار أهلك، ومهما بلغت القطيعة بين أفراد الأسرة فإنهم لا يتساهلون في هذه الحوادث، وفي ظننا أن المجرم المتحرش قد أوصل هذه الرسالة لخطيبك، وأخبره برضاك عن فعله، وهو الذي جعله يتغير من جهتك.

ونحن نصدقك في أنك كنتِ مكرهة، ولم تستطيعي النجاة من أفعاله والخلاص من شروره، ونريد أن نقف معك في محنتك هذه فنقول لك ِ:

هذا هو قدر الله تعالى لك، وقد عانت نساء مسلمات عفيفات كثر في سجون بلاد المسلمين والكفار من التحرش والاغتصاب على يد فسقة المسلمين والكفار الشيء الكثير، وإن القلب ليتفطر بسماع قصصهم وحكاياتهم ويود لو أنه مات قبل أن يسمع شيئا منها.

وعزاؤنا أن الله تعالى سينتقم من أولئك المجرمين، وأن الله تعالى سيكتب الأجر والثواب لأخواتنا، لكن يجب عليهن احتساب هذه المصيبة، ويجب عليهن أن يصبرن على ما قدَّر الله تعالى عليهن وقضى، ولا يجوز لهن الانتحار وقتل أنفسهن؛ فهذه جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا نقول إن الأمر يسير على المرأة المتحرَّش بها، بل هو أمر عظيم، وآثاره على المتحرش بها خطيرة، فبعضهن أصابتها الأمراض النفسية، وبعضهن انتحرن أو فكَّرن في الانتحار، وبعضهن سلكن سبيل الانحراف والعلاقات المحرَّمة مع الأجانب، وبعضهن أصابهن الاكتئاب والنفور من زوجها، لذا لا بدَّ للمرأة المتحرَّش بها أن تحتسب ما جرى لها وأن تصبر على آثاره، وأن تزود نفسها بالطاعة والإيمان ليكرمها الله تعالى بصفاء القلب وراحة البال.

ثانياً:

وقد أخطأ من أخبر خطيبك بما حصل معك، والواجب على هؤلاء التوبة والاستغفار؛ لأنه لا يحل لهم أن يجعلوا أعراض الناس فاكهة مجالسهم، ولا أن يوقعوا بين الناس، ولا أن يتسببوا في الضرر لهم، وكان الواجب عليهم الستر وعدم نشر الأمر بين الناس، وليعلموا أن عندهم أخوات وبنات وهم – بالتأكيد – لا يسرهم أن يفعل الناس فعلهم بمن ابتليت بتلك المصيبة.

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُوَيْمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلَانَ فَقَالَ: (كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ فَسَأَلَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا!!..)

رواه البخاري (٤٧٤٥) ومسلم (١٤٩٢٩)

قال النووي رحمه الله: قَوْله: (فَكَرِهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِل وَعَابَهَا) الْمُرَاد كَرَاهَة الْمَسَائِل الَّتِي لَا يُحْتَاج إِلَيْهَا لَا سِيَّمَا مَا كَانَ فِيهِ هَتْك سِتْر مُسْلِم أَوْ مُسْلِمَة أَوْ إِشَاعَة فَاحِشَة أَوْ شَنَاعَة عَلَى مُسْلِم أَوْ مُسْلِمَة

ثالثاً:

ولستِ ملزمة بالبوح بهذا السر لأحد، حتى لو جاء ليخطبك، فقلوب الناس ضعيفة، والشبَه خطّافة، ولا يكاد يجد المسلم رجلاً يثق بدينه ورجاحة عقله أن يستر أمراً مثل هذا، أو يتجاوزه فلا يعيرها به.

وبما أن خطيبك قد تصرف معك مثل هذا التصرف ورغب في الفراق: فإنه يدل على تأثره بكلام ذلك المجرم، ويكون قد كوَّن في ذهنه صورة قاتمة للحياة معكِ، فالذي ننصحك به: هو البعد عنه بالكلية، وعدم إتمام الزواج؛ لأنه لا يُؤمَن أن يكون له تأثير على حياتكما بعد ذلك.

واستخيري الله تعالى في هذا الفراق وفي دعاء الاستخارة دعاء الله تعالى أن يصرفك عن الزواج به إن كان الزواج شرّاً لك في دينك ودنياك، ويصرفه عنكِ، وفيه دعاء الله تعالى أن يقدِّر لك الخير كان ثم يرضيك به.

فاحرصي على الاستخارة، وانظري تفصيلاً حولها في جواب السؤال (١١٩٨١) .

فإن أراد خطيبك التراجع عن الفراق: فليعلم أن أجره عند الله عظيم عندما يقوم بالستر على من عرف حالها في أمرٍ لم يكن لها فيه يدٌ، لكن يجب أن يكون هذا عن اقتناع منه كامل، ولا ينبغي أن يكون لنزوة عاطفة سرعان ما تزول، فإذا أراد الرجوع والزواج: فلا يحل له تعييرك ولا لومك فيما حصل لكِ، بل يحتسب سكوته وصبره راجياً الثواب من الله تعالى.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>