للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل تدل استقامة المبتدع على صلاح عمله وعقيدته؟

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يدل استقامة ومحافظة المبتدع على الطاعات والصلوات كاملةً في جماعة على صلاح عمله وعقيدته؟ وما شأنُه عند الله؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا شك أن الموقف الواجب هو رد وإنكار كل بدعة محدثة، وبيان خروجها عن القصد والاستقامة، وعدم التهاون في ذلك.

قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم (١٧١٨) .

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (١٢/١٦) :

" قال أهل العربية: الرد هنا بمعنى المردود، ومعناه: فهو باطل غير معتد به، وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات، وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به " انتهى.

ولا يجوز أن يؤثر على الموقف الشرعي من البدعة ما يظهر على فاعلها من الصلاح والاجتهاد في العبادة أو حسن الخلق، إذ لا يلزم من ذلك صلاح عقيدته وعمله،

أولاً: لأننا لا نعلم بماذا يختم له، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالخواتيم) متفق عليه.

ثانياً: قد يوفق المسلم لباب من أبواب الخير، ويحرم من أبوابٍ أُخَر، ويدلك على ذلك أدلة كثيرة، منها:

١- عَن سَهلٍ بنِ سعدٍ السَّاعديِّ رَضِيَ اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ التَقَى هُوَ وَالمُشرِكُونَ فَاقتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسكَرِه، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسكَرِهِم، وَفِي أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لا يَدَعُ لَهُم شَاذَّةً إِلا اتبعَها يَضرِبُها بِسَيفِهِ، فَقَالُوا: مَا أَجزَأَ مِنَّا اليَومَ أَحَدٌ كَمَا أَجزَأَ فُلان.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّه مِن أَهْلِ النَّارِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا. قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ، كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسرَعَ أَسرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرحًا شَدِيدًا، فَاستعجَلَ المَوتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرضِ وَذُبَابَهُ بَينَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيفِهِ فَقَتَلَ نَفسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَشهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: الرَّجُلُ الذِي ذَكَرتَ آنِفًا أَنَّه مِن أَهلِ النَّارِ فَأَعظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلتُ أَنَا لَكُم بِهِ، فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى جُرِحَ جُرحًا شَدِيدًا، فَاستَعجَلَ المَوتَ، فَوَضَعَ نَصلَ سَيفِهِ بِالأَرضِ وَذُبَابَه بَينَ ثَديَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيهِ فَقَتَلَ نَفسَه، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِندَ ذَلكَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِن أَهلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ النَّارِ فِيمَا يَبدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِن أَهلِ الجَنّةِ) . رواه البخاري (٢٨٩٨) ومسلم (١١٢) .

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (٢/١٢٦) :

" فيه التحذير من الاغترار بالأعمال " انتهى.

٢- عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيهِ رَجُلٌ استشهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَه نِعَمَه، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلتُ فِيكَ حَتَّى استُشهِدتُ، قَالَ: كَذَبتَ، وَلكِنَّكَ قَاتَلتَ لأَن يُقَالَ جَرِيء، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَه نِعَمَه، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمتُ العِلمَ وَعَلَّمتُه وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ، قَالَ: كَذَبتَ، وَلكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقَال عَالِمٌ، وَقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ، وَأَعطَاهُ مِن أَصنَافِ المَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَه نِعَمَه، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أَن يُنفَقَ فِيهَا إِلا أَنفَقتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ ثُمَّ أُلقِيَ فِي النَّارِ) . رواه مسلم (١٩٠٥)

فهذا مثال آخر يتبين فيه كيف أن صلاح الظاهر لا يلزم منه القبول عند الله تعالى.

٣- وقد أبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بظهور فرقة الخوارج، وهم من أهل البدع وأمرنا بقتالهم، وأخبرنا أيضاً باجتهادهم في العبادة. فقال: (يَخرُجُ فِيْ هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُم مَعَ صَلَاتِهِم، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لاْ يُجَاوِزُ حُلوقَهَم أَوْ حَنَاجِرَهُم، يَمرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُروقَ السَّهمِ مِنَ الرّمِيَّةِ) رواه البخاري (٦٩٣١) ومسلم (١٠٦٤) .

فوصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في العبادة حتى إن الصحابة يحقرون صلاتهم إذا ما قورنت بصلاة هؤلاء، ومع ذلك أخبر أنهم يمرقون، أي: يخرجون من الدين.

وقد يقع الرجل في البدعة بسبب اجتهادٍ أخطأ فيه، ولم يتعمد ارتكاب المخالفة وفعل البدعة، فنرجو من الله تعالى أن يغفر له، ويعفو عنه.

قال الذهبي رحمه الله:

" إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعُلمَ تحرِّيه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه، وعُرفَ صلاحُه وورعه واتباعه، يُغفَرُ له زَلَلُه، ولا نُضلِّلُه ونطرحه وننسى محاسنَه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك " انتهى.

"سير أعلام النبلاء" (٥/٢٧١) .

والمؤمن قد يجتمع فيه خير وشر، فيحمد على ما معه من الخير، ويذم على ما معه من الشر، بعد نصحه ووعظه وإرشاده.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>