للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الزواج بنية الطلاق والآثار السيئة المترتبة عليه

[السُّؤَالُ]

ـ[تقول إنها اعتنقت الإسلام منذ ١٢ سنة قبل أن تتزوج، وهي الزوجة الثانية، ومشكلتها أن زوجها اعتاد أن يتزوج امرأة ثالثة سرّاً، وعادة ما تكون غير مسلمة، دون أن يخبرها، أو يخبر زوجته الأولى، أو أحداً من أقاربه، وأنه قد يظل مع زوجته الثالثة عاما أو عامين قبل أن يفترقا، ثم يجد أخرى، وأنه قد تزوج ثلاث نساء منذ أن تزوجها، وأنها تعلم بزواجه عندما يغيب عن البيت أسبوعاً أو أسبوعين، ويسافر للخارج دون أن يخبر أحداً، ثم بعد ذلك ينكر للجميع أنه كان مع امرأة أخرى، وتقول إن بعض العلماء يقولون إن هذا النوع من الزواج السري حلال، وتقول: كيف يكون كذلك وهو يدفع الزوج للكذب كثيراً، ويصيب الزوجات بالاكتئاب؟ أليس من حق الزوجة أن تعرف كم عدد زوجات زوجها؟ ومتى سيكون عندها؟ وتقول إن الأمور تكون على ما يرام عندما لا تكون هناك زوجة ثالثة، وأن زوجها عندئذ يكون لطيفاً ويعدل بينها وبين زوجته الأولى، ثم تتغير الحال عندما يتزوج الثالثة، وتقول إن قول العلماء بحل هذا الزواج شجع الرجال على الإقدام عليه، والكذب على زوجاتهم، وعدم العدل بينهن، وبذلك تفسد الحياة الأسرية.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

لا يجب على الزوج أن يخبر زوجاته بأنه سيتزوج، لكنه إن تزوج وجب عليه إخبارهنَّ؛ لأن عدم إخبارهنَّ قد يسبب سوء ظن به أن له علاقات مشبوهة؛ ولأن لهنَّ الحق بمطالبته بالعدل في القسْم، وهي في حال علمها بزواجه من غيرها تعلم أن لزوجته الجديدة مثل الحق الذي لزوجاته قبلها.

ثانياً:

يجب على الزوج أن يتقي الله ويعدل بين نسائه، والعدل الواجب بين نسائه هو العدل في النفقة، والمسكن، والمبيت.

قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:

القسم اللازم هو المبيت، نعم، يجب عليك أن تقسم بينهما، وكذلك النفقة، يجب عليك التسوية بينهما في النفقة، والإسكان، والكسوة، هذه الأمور لابد من العدل فيها، بإعطاء الكفاية لما يكفي لكل واحدة منهما من المسكن ومن المأكل والمشرب ومن الكسوة، وكذلك المبيت يجب عليك القسم بين الزوجات، هذا هو العدل الواجب الذي قال الله تعالى فيه: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) النساء/٣، هذا هو العدل المشترط لتعدد الزوجات.

" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (٥ / السؤال رقم ٣٨٤) .

وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (١٠٠٩١) .

ثالثاً:

ويجب على الرجال أن يتقوا الله في النساء، وأن يعلموا أن الناس يثقون بدينهم الظاهر، والتزامهم بالسنَّة، وعندما يطلب أحد هؤلاء امرأة فإنه يُعطاها بناء على ما يظهر من استقامته ودينه، فليحذر أن يستغل هذه الشعائر الظاهرة للعبث بأعراض الناس، فيأخذ بناتهم ثم يرجعهنَّ بعد أن يقضي شهوته، وليحذر أن يكون سبباً في ردة بعضهن أو مرضهن أو سلوكهن سبيل الانحراف، ولا نظن واحداً من هؤلاء يرضى أن يفعل أحدٌ مثل هذا بابنته أو أخته، فلمَ يرضى هذا لبنات الناس؟

وليحذر من استغلال ضعف وحاجة الناس بعرض الأموال وإغراء أهلها به؛ فإن هذا منافٍ للمروءة والأخلاق، ولا نعتقد أن هؤلاء يستطيعون فعل الأمر نفسه مع بنات علية القوم، أو مع بنات عمهم، أو أقربائهم، ولو كان زواجاً شرعيّاً ثم لم يحصل وفاق وطلقها لما أنكرنا أفعالهم، لكن أن يكون الزواج من أجل قضاء الشهوة عازماً على (تغييرها) بعد فترة: فهذا من العبث الذي لا تقره الشريعة، وهو نكاح متعة أو شبيه بالمتعة، ولذا لا تجد هؤلاء يحرصون على ذوات الدين، بل يتزوج المرأة لجمالها حتى لو لم تنته عدتها! وحتى لو كانت مشهورة بالفسق والفجور، فقضاء شهوته معها في فندق لمدة ثلاثة أيام لا يستلزم من هذا العابث أن يهتم لدينها وشرفها؛ فهي لن تكون زوجة له دائمة، ولن تكون أمّاً لأولاده! فلم الاهتمام؟! .

وهذه فتوى لعلماء اللجنة الدائمة ترد على هذه الأفعال وتبين حكم هذا الزواج:

سئل علماء اللجنة الدائمة:

انتشر بين أوساط الشباب السفر خارج البلاد للزواج بنية الطلاق، والزواج هو الهدف في السفر استناداً على فتوى بهذا الخصوص، وقد فهم الكثير من الناس الفتوى خطأ، فما حكم هذا؟ .

فأجابوا:

الزواج بنية الطلاق زواج مؤقت، والزواج المؤقت زواج باطل؛ لأنه متعة، والمتعة محرمة بالإجماع، والزواج الصحيح: أن يتزوج بنية بقاء الزوجية، والاستمرار فيها، فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها، قال تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/٢٢٩.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٨ / ٤٤٨، ٤٤٩) .

ومَن أفتى من أهل العلم بإباحة ذلك إنما هو لمن يدرس أو يعمل في بلاد غربة ويخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة، فهذا يتزوج ولو نوى أن يطلِّق فإنه قد يقدِّر الله بينهما أولاداً فيتعلق بهم وبأمهم، وقد يقدر الله بينهما عشرة حسنة فيدوم زواجهما، وليست الفتوى لم يتقصد السفر من أجل الزواج، وليست الفتوى فيمن يذهب ليلتين لبد فقير فيفض بكارة أنثى أو أكثر! ومن لم يستطع ضبط نفسه في سفر لمدة يومين – وبعضها أعمال دعوية وخيرية – فيحرم عليه السفر أصلاً، ولينظر العاقل في آثار ما يفتي به وما يفعله، وأثر ذلك على الإسلام، فإن الإسلام لم يُشوَّه من أعدائه بقدر ما شوِّه من أهله بأفعالهم وأخلاقهم.

فعلى المسلم الذي يسَّر الله له زوجة – أو أكثر – أن يحمد الله تعالى ويشكره، وعليه أن يلتفت لهنَّ ولأولاده، ليقوم بتعليمهم وتربيتهم التربية الإسلامية الحقة، لا أن يكفر هذه النعمة بترك زوجاته وأولاده دون إصلاح وتربية، ويبحث عن ملذات زائلة لا تقيم أسرة ولا تكسب سعادة، فضلا عن تعرضه للظلم لنفسه ولزوجاته ولأولاده.

ولا مانع من أن يتزوج زواجاً شرعيّاً، وقد أباح له الشرع أن يتزوج بأربع نسوة، لكن ليعلم أن الشرع قد رغَّبه بنكاح ذات الدين؛ لأنها ستكون عِرضه وأم ولده وحامية بيته وماله ومربية ولده، فلا يليق بالمسلم أن ينسى مقاصد الزواج وحِكَمه وأحكامه ليقوم بالبحث عن شهوة يقضيها هنا وهناك، ثم الأدهى أن ينسب فعله إلى الإسلام!

ولينظر هذا الزوج إلى آثار فعله من الكذب، وعدم إعطاء نسائه حقهنَّ، وعدم العدل بينهن وبين من يتزوجها، ثم لينظر لنفسه في حسن اختياره للزوجة التي ينوي طلاقها، وإذا أحسن الاختيار فلينظر إلى الأثر الذي سيخلفه وراءه عليها وعلى أهلها، ولينظر لنفسه على أنه مسلم يمثِّل الإسلام بأحكامه وأخلاقه، وخاصة إذا تعلق الأمر بالثقة بهيئته أو ظاهر استقامته، فإنه سيكون سبباً لنزع ثقة الناس بأمثاله، إن لم يؤدِّ إلى ما هو أعظم وأخطر.

وقد بلغنا من الآثار السيئة للزواج بنية الطلاق ما يجزم المرء المسلم أن لو وقف العلماء القائلون بإباحته على بعضها لكان لزاماً عليهم أن يمنعوا منه، أو يتوقفوا عن القول بإباحته على أقل تقدير، فبعض هؤلاء الزوجات اتُّهمت بعِرضها وشرفها بعد أن تزوجها مَن ظاهرُه الاستقامة، ثم لما قضى شهوته منها في فندق في بلدها أعطاها مؤخرها أو قليلا من المال وأركبها سيارة أجرة إلى أهلها مطلِّقاً لها! وبعضهن قد وثق أهلها بهذا " المستقيم في الظاهر " فسلَّمه ابنته – عرضه – دون عقد رسمي ثقة بأنه سيعقد عليها بوكالة في بلده، أو بعد أن يأتي بالتصريح! ثم يقضي شهوته معها ويرجعها إلى أهلها ثيباً بعد أن أخذها بكراً! فانظر أيها العاقل إلى موقف أهلها كيف سيكون أمام جيرانهم وأقربائهم؟ وماذا سيقولون لهم؟ وهل أصبح العِرض سيارة تُستأجر وتُرجع بعد انتهاء المدة؟! ألا يخشى هؤلاء أن يعاقبهم الله ببناتهم وأخواتهم؟!

وبعض أولئك النسوة عندما علمت أن (مدتها) قد انتهت مع هذا الزوج توسلت له بأن لا يطلقها، وأن يأخذها لبلده – كما أوهمها – خادمة له ولنسائه ولأولاده! وأنها لو رجعت فستتعرض للسوء من أقربائها وجيرانها، وقد يؤدي ذلك لقتلها! وهذا " المستقيم في الظاهر " يرفض هذه التوسلات ويأبى الاستجابة لبكائها وتوسلاتها.

وأخرى انتهت (مدتها) وطلقها زوجها، واتصل بأخيها ليأخذها لأهلها! فلم يكن منها إلا أن ادعت أمام الناس أنه توفي في حادث سيارة! حفاظاً على كرامتها وعرضها من مقالة السوء. فالله المستعان، وعليه التكلان.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>