للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المدرس يطلب منهم الصلاة على النبي ٣٠٠ مرة قبل الدرس

[السُّؤَالُ]

ـ[أحضر درسا في تعلم أحكام التلاوة.. إلا أن الشيخ يطلب من جميع الحاضرين أن " يصلوا على النبي عليه الصلاة والسلام " ٣٠٠ مرة (سرا) قبل البدء بالدرس.. ويقول إن الصلاة على النبي سبب في القرب منه يوم القيامة وذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قال " أكثركم صلاة علي أقربكم مني يوم القيامة " فهل يجوز المشاركة معهم في مثل ذلك؟ وإلا فهل يجوز لي أن أسر بذكر آخر كالاستغفار ونحو ذلك؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

التزام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العدد قبل الدرس، ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه ولا التابعين لهم بإحسان، وما كان كذلك فهو من البدع والمحدثات، التي نهانا عنها، وحذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه الترمذي (٢٦٠٠) وأبو داود (٣٩٩١) وابن ماجة (٤٢) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢٥٤٩) .

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (١٧١٨) .

ووجه كون هذا العمل من البدع والمحدثات: أن العبادة لابد أن تكون مشروعة في ذاتها، وكيفيتها، ووقتها، ومقدارها؛ إذ لا يُعبد الله تعالى إلا بما شرع في كتابه أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والذكر قد يكون مشروعا في أصله، لكن تصحبه كيفية، أو تقييدٌ بمكانٍ، أو زمانٍ، أو عدد يُدخله في عداد المحدثات.

ويدل على ذلك ما رواه الدارمي (٢٠٤) عن عمرو بن سلمة قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِد،ِ فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَال: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ؟ قُلْنَا: لا. فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَج،َ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن،ِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلا خَيْرًا، قَال:َ فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاه.ُ قَال:َ رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلاةَ، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُل،ٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى، فَيَقُول:ُ كَبِّرُوا مِائَة،ً فَيُكَبِّرُونَ مِائَة،ً فَيَقُول:ُ هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَة،ً وَيَقُول:ُ سَبِّحُوا مِائَة،ً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً. قَال:َ فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَال:َ مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِك،َ وَانْتِظَارَ أَمْرِك.َ قَال:َ أَفَلا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِم،ْ فَقَال:َ مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيح.َ قَال:َ فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ! هَؤُلاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ،

وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلالَةٍ. قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلا الْخَيْرَ. قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.

فتأمل هذا الموقف من أبي موسى وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وانظر إنكارهما لهذه الكيفية التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها أصحابه، وإن كان أصل الذكر مشروعاً ممدوحاً مرغباً فيه.

وقد نبه أهل العلم على أن تخصيص العبادة بزمان أو مكان، أو تكييفها بكيفية لم تَردْ، يُلحقها بالبدع والمحدثات، وتسمى حينئذ بدعة إضافية، فهي مشروعة من حيث أصلها، مردودة من حيث وصفها.

قال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ...

ومنها: التزام الكيفيات والهيئات المينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.

ومنها: التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (١/٣٧-٣٩) .

فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عبادة من أجلّ العبادات، وقربة من أعظم القربات، لكن التزامها قبل كل درس للتلاوة، وبهذا العدد المخصوص، أمر لم يرد، فكان بدعة محدثة، ولو كان صاحبها يريد الخير، فكم من مريد للخير لا يصيبه، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.

والواجب نصح هذا المعلم وبيان أن ما يفعله ليس من السنة، بل بدعة، فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب وأمكن تعلم التلاوة على غيره من أهل الاتباع، فإنه يترك زجرا له، وحذرا من تسرب البدعة إلى قلب الدارس على يديه.

رزقنا الله وإياكم حب السنة، والدفاع عنه، وحب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأطهار الأخيار.

وانظر السؤال رقم (٢٠٠٠٥) و (٢١٩٠٢) و (٢٢٤٥٧) للفائدة.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>