للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتسبب في بكاء أمه فهل يكون عاقا؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أمي تبكي مني أحيانا وتتضايق مني فقط لأنني لا أملك رخصة قيادة السيارة ولا أعمل ومتهاون في ذلك بعكس الآخرين يملكون هذه الأشياء، فهل أنا عاق لوالدتي بهذا؟ علما أنني أحبها وتحبني وأبرها وأدعو لها.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

بر الوالدين من أعظم القربات، وآكد الفرائض، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل بعد الإيمان، لاسيما البر بالأم، لعظم حقها، وجميل معروفها، وسبْق إحسانها، ولهذا جاءت الوصية بها، والتأكيد على إحسان صحبتها، كما روى البخاري (٥٩٧١) ومسلم (٢٥٤٨) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ)

وروى أحمد (١٥٥٧٧) والنسائي (٣١٠٤) وابن ماجه (٢٧٨١) أن مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلِهَا ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ فِي مَقَاعِدَ شَتَّى كَمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ) قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

ثانيا:

من أظهر معاني البر بالوالدين: السعي في مرضاتهما، وتحقيق الأنس والسعادة لهما، وإزالة ما من شأنه التنغيص عليهما، والتكدير لخواطرهما.

وإذا كان الأمر كذلك، فما أعظم ما ذكرت، من كونك تتسبب في بكاء أمك وإدخال الحزن عليها، فأي بر هذا؟!

فاتق الله أيها الأخ الكريم، واحذر أن تكون في عداد العاقين وأنت لا تشعر.

أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم رد رجلا هاجر إليه حين علم أنه ترك والديه يبكيان؟

روى أبو داود (٢٥٢٨) والنسائي (٤١٦٣) وابن ماجه (٢٧٨٢) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ فَقَالَ ارْجِعْ عَلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

ولا يخفى شأن الهجرة في ذلك الزمن.

ثالثا:

إن والدتك الكريمة إنما تدعوك لأمر فيه مصلحة وخير لك، وهو أن تعمل كما يعمل غيرك، وأن تجدّ كما يجدون، بدلا من عيش الكسل والبطالة، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على من يعمل، ويأكل من عمل يده، فقال: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) رواه البخاري (٢٠٧٢) .

وقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ) رواه البخاري (١٤٧٠) ومسلم (١٠٤٢) ولفظه: (لأَنْ يَحْتَزِمَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ فَيَحْمِلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلا يُعْطِيهِ أَوْ يَمْنَعُهُ) .

فبادر أيها الأخ الكريم بالسعي لأخذ رخصة القيادة، والعمل والاجتهاد، لتقر عين والدتك بك، ويذهب عنها حزنها وألمها، فتكون من الفائزين بإذن الله.

وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>