الشرط الجزائي في العقود، متى يصح ومتى لا يصح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي شركة استيراد وتصدير، أستورد بضاعة من الخارج، وأبيعها على التجار في الداخل. ما حكم العقد الجزائي الذي يجبر الزبون بدفع تعويض إذا تأخر عن تسديد ثمن السلعة، وكذلك لتعويض الربح المتوقع في بعض الحالات؟ وإذا ما تم هذا العقد الجزائي علي هل يحل لي أن أقوم بشرطه على زبوني أيضا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشرط الجزائي في العقود المالية جائز ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دَيْناً. فلا يجوز مثلاً أن يُشترط على من اشترى سلعة بالتقسيط أن يدفع شيئا زائدا على هذا الثمن إن تأخر في السداد، لأن هذه الزيادة ستكون زيادة على الدَّيْن، وهذا ربا صريح، أما ما عدا الدَّيْن من الحقوق والالتزامات، فيجوز الشرط الجزائي فيها للتعويض عن الضرر، الواقع فعلا. جاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي" بشأن موضوع الشرط الجزائي:
"أولاً: الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شُرِط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه.
ثانيًّا: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلَم رقم ٨٥ (٢ / ٩) ، ونصه: (لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المُسْلَم فيه؛ لأنه عبارة عن دَيْن، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الدين عند التأخير) ، وقراره في الاستصناع رقم ٦٥ (٣/٧) . ونصه: (يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًّا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة) ، وقراره في البيع بالتقسيط رقم ٥١ (٢ / ٦) ونصه: (إذا تأخر المشتري (المدين) في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم) .
ثالثًا: يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترنًا بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.
رابعًا: يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا؛ فإن هذا من الربا الصريح.
وبناء على هذا، فيجوز هذا الشرط – مثلاً في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع (البائع) ، إذا لم ينفذ ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه.
ولا يجوز – مثلاً– في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية، سواء كان بسبب الإعسار، أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصْنِع (المشتري) إذا تأخر في أداء ما عليه.
خامسًا: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي.
سادسًا: لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شُرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد.
سابعًا: يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تعدل في مقدار التعويض إذا وجدت مبررًا لذلك، أو كان مبالغًا فيه" انتهى من "قرارات المجمع" (ص٣٧١) طبعة وزارة الأوقاف القطرية.
وبمثل هذا قالت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، إذ جاء في مجلة البحوث الإسلامية (٢/١٤٣) بعد مناقشة البحوث حول الشرط الجزائي:
" فإن المجلس يقرر بالإجماع: أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعًا، فيكون العذر مسقطًا لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيرًا عرفًا بحيث يراد به التهديد المالي، ويكون بعيدًا عن مقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من مضرة. ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر، عملاً بقوله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) وقوله سبحانه: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) وبقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
وبهذا يتبين أن المشتري له أن يشترط عليكم شرطاً جزائياً إذا تأخرتم عن تسليم السلعة في الوقت المتفق عليه، ولكن ليس لكم أن تشترطوا هذا الشرط عليه إن تأخر في سداد باقي الثمن، ولكم أيضاً أن تشترطوا هذا الشرط الجزائي على الشركة المُصَدِّرة لكم إن حصل منها إخلال بالعقد المتفق عليه بينكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب