رأت جدَّها القدوة الحسنة لها في موقف مشين مع الخادمة، فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر ١٦ عاماً، ورأيت موقفاً من شخص كان لا يماثله أحد في نصحه، وفي توجيهه، كان قمة في الأخلاق، يغبطه الجميع بعلمه، وحكمته، هذا الشخص هو جدي، والذي يبلغ من العمر٧٠ عاماً، رأيته في وضع مزرٍ مع خادمته، بحيث لا أعلم كيف أصف لك ما رأيت، بل أصابني الذهول، وانصدمت، ولم أتمالك أعصابي، تمنيت أن أموت ولم أر هذا الموقف، وكان الموقف الذي رأيته قد حصل تكراراً بينهم، والسؤال: ماذا أعمل؟ وماذا أفعل؟ فأنا أرحم جدتي التي هي زوجته، فهي إنسانة رائعة، وزوجة مخلصة، وأخاف عليها، فهي مريضة، فأنا في تفكير مستمر، وهم دائم لا أهنأ بأكل، ولا شرب، ولا نوم، هل ما رأيته حلال أم حرام أم سحر؟ ولمن أبوح لهذا السر الخطير؟ مع العلم أن معاملته مع الخدم رائعة، فهو يلبي لهم جميع طلباتهم، لا يقصر أبداً. أريد حلاًّ عاجلاً، أرجوك، فأنا لم أذق من يومها طعماً للراحة أبداً. وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليُعلم أن ما فعله جدُّك هو من قبائح الذنوب، وأيّاً ما وصل إليه من درجات في علاقته الجنسية مع تلك الخادمة: فإنه يعدُّ منكراً مغلَّظاً، ويستوجب إثماً أشد من إثم غيره؛ وذلك لكونه شيخاً كبيراً، بل وله زوجة! وقد جاء في الشرع المطهَّر ما يؤكد هذا المعنى ويوضحه، وهو أنه حيث تقل دواعي المعصية من فاعلها: فإنه يزداد إثماً إذا تجرأ عليها وفعلها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ) .
رواه مسلم (١٠٧) .
قال النووي – رحمه الله -:
وأما تخصيصه صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى " الشيخ الزاني، والملِك الكذاب، والعائل المستكبر " بالوعيد المذكور: فقال القاضي عياض: سببه: أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بُعدها منه، وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده، وإن كان لا يُعذر أحدٌ بذنب، لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة، ولا دواعي معتادة: أشبه أقدامهم عليها المعاندة، والاستخفاف بحق الله تعالى، وقصد معصيته، لا لحاجة غيرها؛ فان الشيخ لكمال عقله، وتمام معرفته بطول ما مرَّ عليه من الزمان، وضعف أسباب الجماع، والشهوة للنساء، واختلال دواعيه لذلك عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا، ويخلي سرَّه منه، فكيف بالزنى الحرام؟! وإنما دواعي ذلك: الشباب، والحرارة الغريزية، وقلة المعرفة، وغلبة الشهوة؛ لضعف العقل، وصغر السن ... .
" شرح مسلم " (٢ / ١١٧) .
وقال المناوي – رحمه الله -:
ولهذا قيل: مَن لم يرعوِ عند الشيب، ولم يستح من العيب، ولم يخش الله في الغيب: فليس لله فيه حاجة، شيبٌ، وعيبٌ.
" فيض القدير " (٣ / ٤٣٧) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فهؤلاء الثلاثة اشتركوا في هذا الوعيد، واشتركوا في فعل هذه الذنوب مع ضعف دواعيهم؛ فإن داعية الزنا في الشيخ ضعيفة، وكذلك داعية الكذب في الملك ضعيفة؛ لاستغنائه عنه، وكذلك داعية الكبر في الفقير، فإذا أتوا بهذه الذنوب مع ضعف الداعي: دلَّ على أن في نفوسهم من الشر الذي يستحقون به من الوعيد ما لا يستحقه غيرهم.
وقلَّ أن يشتمل الحديث الواحد على جُمَل إلا لتناسب بينهما، وإن كان قد يخفى التناسب في بعضها على بعض الناس، فالكلام المتصل بعضه ببعض يسمَّى حديثاً واحداً.
" مجموع الفتاوى " (١٨ / ١٤) .
ثانياً:
من الواجب عليكِ الآن وقد رأيتِ من جدك معصية منكرة:
١. أن تنصحي جدكِ، وتعِظيه، وتخوفيه بالله رب العالمين، وتذكريه بوجوب حفظ نفسه، وخشية العار في الدنيا والآخرة، وهذا هو واجب شرعي عليكِ، لا يسعك تركه والتخلي عنه، ولتدَعي الذهول، والصدمة، وتمني الموت، فهذا لا تنتفعين به أنتِ، ولا يستفيد منه جدُّك، بل عليك المبادرة بفعل ما ذكرناه لك تجاهه، بل عليك السعي في إقناعه بإخراج هذه الخادمة من البيت، ونقلها لعمل آخر، أو ردها إلى أهلها، لينقطع عنه دابر الفتنة والفساد.
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) . رواه مسلم (٥٥) .
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. رواه البخاري (٥٠١) ومسلم (٥٦) .
٢. والأمر نفسه تفعلينه مع الخادمة، مع تهديدها بإخبار أهلك عنها، وطردها من البيت، فلعلها هي من تغوي ذلك الشيخ الكبير.
٣. ومن مهماتك أيضاً: الانتباه لعدم وقوع خلوة في البيت بينه وبينها، والحيلولة دون حصوله بما تملكينه من قدرة.
٤. ويجب عليك الستر على جدك والخادمة، وإعطاؤهما فرصة للتوبة، والإنابة؛ فإن الله تعالى يحب الستر.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( ... ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه البخاري (٢٣١٠) ومسلم (٢٥٨٠) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه مسلم (٢٥٩٠) .
قال النووي – رحمه الله -:
قال القاضي: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يستر معاصيه، وعيوبه عن اذاعتها في أهل الموقف، والثاني: ترك محاسبته عليها، وترك ذِكرها.
قال: والأول أظهر؛ لما جاء في الحديث الآخر (يقرره بذنوبه يقول: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) .
" شرح مسلم " (١٦ / ١٤٣) .
فإن أصرَّ على فعل المعصية، ولم يرعو بالنصح والتذكير: فبإمكانك أن تخبري جدتك فقط بفعله؛ أو إن كان له أحد من أبنائه، بإمكانه أن يؤثر عليه، ويمنع ذلك المنكر، والدك ـ مثلا ـ أو أحد أعمامك؛ فهو أفضل، حرصا على عدم صدمة جدتك. والمهم ـ على كل حال ـ هو ردعه عن اكتساب الإثم.
٥. ويجب عليكم إن كان جدك صاحب شهوة ويرغب بالزواج: أن تعينوه على ذلك، ففي الزواج ستر له، وقضاء لشهوته، ونقترح عليك أن تخبري بذلك والدك، ليعرض عليه الزواج قبل إخباره بأنهم يعلمون منه فعل تلك المعصية، فلعله بالزواج أن يستغني عن مواجهته، وإحراجه.
ثالثاً:
ونحن نشكر لك غيرتك على حرمات الله أن تنتهك، ونشكر لك حب الخير لأهلك أن لا يأتي واحد منهم ما يُغضب ربه تعالى، ولعل هذه الحادثة أن تكون خيراً لجدك؛ وذلك بأن يُحدث توبة صادقة، وأن ينتبه لنفسه، وسنِّه، فيزداد من فعل الخيرات، وأداء الطاعات، وليس الأمر سحراً، ولا تخييلاً، إنما هي شهوة يؤججها فيه الشيطان، ولعل مرض زوجته مما أثَّر في إقباله على ذلك المنكر، وفي مثل هذا السن نرجو أن يكون للنصيحة والموعظة أثرهما البالغيْن عليه، ولعله يستحيي منكِ وهو القدوة الحسنة.
وانظري جواب السؤال رقم: (١١١٩١١) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب