قول الملحد: هل يقدر الله على خلق إله مثل نفسه!!
[السُّؤَالُ]
ـ[يسأل بعض الملحدين أسئلة مثل إذا كان الله علي كل شئ قدير فهل يقدر أن يخلق إلها آخر مثله أو يخلق شيئا ثقيلا جدا لدرجة أنه لا يقدر علي رفعه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الملحد يحتاج إلى من يدعوه إلى الله تعالى، ويذكره بآلاء الله ونعمه وآياته التي تدل على وجوده، ووحدانيته، وعظمته.
فالكون كله يدل على الله تعالى، فوا عجبا، كيف يجحده الجاحد؟!
فيا عجبا كيف يُعصى الإلهُ أم كيف يجحده الجاحدُ
ولله في كل تحريكةٍ وفي كل تسكينة شاهدُ
وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه واحدُ
وشبهات الملحدين والضالين، لا يجوز الإصغاء إليها، إلا لمن لديه أهلية للرد عليها ونقضها، ولهذا فالحذر الحذر؛ فالشبهة قد تعلق بالقلب، ثم يصعب إخراجها منه.
ثانيا:
هذه الشبهة من شبهات الملحدين قديما، ولأهل العلم جواب مشهور عليها، وحاصله أمران:
الأول:
أن هذه المسألة من المحال؛ لأن الآخَر لو كان إلها، ما أمكن خلقه؛ فافتراض أنه إله، وأنه يُخلق، محال.
قال في "الدرر السنية من الأجوبة النجدية" (٣/٢٦٥) : " وقد روي عن ابن عباس، حكاية على غير هذا الوجه، وهي: أن الشياطين، قالوا لإبليس: يا سيدنا، ما لنا نراك تفرح بموت العالِم، ما لا تفرح بموت العابد؟ ! والعالِم لا نُصيب منه، والعابد نُصيب منه؟ !
قال: انطلقوا، فانطلقوا إلى عابد، فأتوه في عبادته، فقالوا: إنا نريد أن نسألك، فانصرف، فقال إبليس: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه؟ فقال: لا أدري؛ فقال: أترونه لم تنفعه عبادته مع جهله؟ !
فسألوا عالماً عن ذلك؟ فقال: هذه المسألة محال، لأنه لو كان مثله، لم يكن مخلوقاً، فكونه مخلوقاً وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقاً لم يكن مثله، بل كان عبداً من عبيده؛ فقال: أترون هذا يهدم في ساعة ما أبنيه في سنين؟ ! والله أعلم " انتهى.
الثاني:
أن وجود إله آخر مع الله، أمر مستحيل لذاته، وقد دل على استحالته أدلة كثيرة، أيسرها وجود هذا العالم المنتظم، إذ لو كان هناك إله آخر، لفسد نظام العالم، لتنازعهما، ورغبة كل منهما في العلو على الآخر، كما قال سبحانه: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الأنبياء/٢٢.
وقوله: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) المؤمنون/٩١.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " أي لو قدّر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق، فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض " انتهى.
وكذلك وجود شيء ثقيل، لا يقدر الله على رفعه: أمر مستحيل؛ لأن الله هو الذي خلقه، وأوجده، وهو قادر على إفنائه في أي لحظة، فكيف لا يقدر على رفعه؟!
والملحد إنما يريد أن يطعن في العموم الذي في قوله تعالى: (إن الله على كل شيء قدير) فيقول: إذا كان قادرا على (كل شيء) فلماذا لا يقدر على هذا؟
والجواب: أن هذا المستحيل (ليس بشيء) !
فالمستحيل المعدوم، الذي لا يمكن وجوده، ليس بشيء، وإن كان الذهن قد يتخيله ويقدّره تقديرا، ومعلوم أن الذهن يفرض ويقدر المستحيل، فالذهن يقدّر اجتماع النقيضين، ككون الشيء موجود معدوما في نفس الوقت.
فالآية تنص على قدرة الله على (الأشياء) فلا يدخل في ذلك الأمور المستحيلة لذاتها، لأنها ليست بشيء، بل عدم، لا يمكن أن يوجد.
ولهذا نص غير واحد من العلماء على أن قدرة الله إنما تتعلق بالممكن؛ لهذا السبب الذي ذكرناه، وهو أن المعدوم المستحيل ليس بشيء.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما أهل السنة، فعندهم أن الله تعالى على كل شيء قدير، وكل ممكن فهو مندرج في هذا، وأما المحال لذاته، مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصور وجوده، ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء، ومن هذا الباب: خلق مثل نفسه، وأمثال ذلك " انتهى من "منهاج السنة" (٢/٢٩٤) .
وقال ابن القيم رحمه الله في "شفاء العليل" ص ٣٧٤: " لأن المحال ليس بشيء، فلا تتعلق به القدرة، والله على كل شيء قدير، فلا يخرج ممكن عن قدرته البتة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب