للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم وصل شعر الشارب باللحية؟

[السُّؤَالُ]

ـ[السؤال: ما حكم أن يصل الرجل شاربه مع شعر اللحية؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله:

أولاً: السنة في الشارب قصه وتخفيفه، والأخذ منه حتى تبدو أطراف الشفة، ولا يسن حلقه كاملاً، وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (١٠٣٦٢٣) .

ثانياً: اختلف العلماء في طرفي الشارب - السبالان - هل هما من الشارب فيقصان معه، أم من اللحية فيتركان.

قال ابن حجر: " وَأَمَّا الشَّارِب فَهُوَ الشَّعْر النَّابِت عَلَى الشَّفَة الْعُلْيَا، وَاخْتُلِفَ فِي جَانِبَيْهِ وَهُمَا السِّبَالَانِ.

فَقِيلَ: هُمَا مِنْ الشَّارِب وَيُشْرَع قَصّهمَا مَعَهُ.

وَقِيلَ: هُمَا مِنْ جُمْلَة شَعْر اللِّحْيَة ". انتهى" فتح الباري" (١٠/٣٤٦) .

والقول بتركهما من غير قص اختاره بعض العلماء من المالكية والشافعية.

ويدل عليه ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (١ / ٦٦) عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: رأيت مالك بن أنس وافر الشارب فسألته عن ذلك؟

فقال: حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ.

وصححه الألباني في "آداب الزفاف" صـ ١٣٧.

قال النفراوي: " وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَذَلِكَ [أي ليسا كالشارب] ، بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَلَهُمَا وَلَمْ يَقُصَّهُمَا، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إبْقَائِهِمَا، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّهُمَا كَالشَّارِبِ". انتهى من " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (٢ / ٤٩٥)

وقال البجيرمي: " وَلَا بَأْسَ بِإِبْقَاءِ السِّبَالَيْنِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ". انتهى من "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (٥ / ٢٦١) ، ومثله في " أسنى المطالب" (١ /٢٦٦) .

وذهب إلى استحباب قصهما مع الشارب: الحنفية، والحنابلة، وبعض الشافعية. ينظر: "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (٧ / ١٦٥) ، "مطالب أولي النهى" (١ / ٨٥) ، "شرح منتهى الإرادات" (١ / ٤١) .

قال العراقي: " اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَصِّ الشَّارِبِ، هَلْ يُقَصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ، أَمْ يُتْرَكُ السِّبَالَانِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؟

فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ: لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذلك لَا يَسْتُرُ الْفَمَ، وَلَا يَبْقَى فيه غَمْرُ الطَّعَامِ، إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ....

وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ بَقَاءَ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ، بَلْ بِالْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ." انتهى من "طرح التثريب" (٢ / ٧٧) ، وقريب منه كلام ابن نجيم في "البحر الرائق" (٧ / ١٦٥) .

ويستدل لهذا القول بقوله صلى الله عليه وسلم: (أَحْفُوا الشَّوَارِبَ) رواه البخاري (٥٨٩٢ (، ومسلم (٢٥٩) .

قال المناوي: " والحديث يتناول السبالين - وهما طرفاه - لدخولهما في مسماه ". انتهى " فيض القدير" (١/١٩٨) .

ويستدل على ذلك أيضاً بما رواه ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (١٢ /٢٨٩) والبيهقي (٧١٦) عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ، وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ، فَخَالِفُوهُمْ.

فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَعْرِضُ سَبَلَتَهُ فَيَجُزُّهَا، كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ يُجزُّ الْبَعِيرُ.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٨٣٤) .

وبوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب اللباس بقوله: (بَاب قَصِّ الشَّارِبِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ، يَعْنِي: بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ) .

وقد ذكر الكشميري أن الذي عليه عمل السلف قص السبالين؛ لأن اهتمامهم بنقل ترك عمر بن الخطاب لسباليه دليل على أن غيره لا يتركهما. ينظر: "العرف الشذي" (٤/١٦١) .

والذي يظهر: أن في الأمر سعة، فمن ترك طرف الشارب موصولاً فلا حرج عليه، أسوةً بعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ومن قصَّه فلا حرج عليه، كما كان يفعل عبد الله بن عمر.

والأمر دائر بين استحباب قصه، وجواز تركه.

وأما ترك الشارب، وحلق طرفيه فقط كما يفعله البعض فليس من السنة.

وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (٥ / ٢٧٥) : " ولا يجوز ترك طرفي الشارب، بل يقص الشارب كله، أو يحفيه كله، عملاً بالسنة ".

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>