للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

منزلة اللغة العربية

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هي منزلة اللغة العربية؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

" تمثل اللغة العربية قطاعا هاما في حياة الفكر العربي المعاصر، فهي القاعدة الكبرى التي قام عليها هذا التراث العظيم، والأداة الحية للأدب العربي، واللسان الذي يربط الأمة، وهي أساس قوى للوحدة بين أجزاء الوطن العربي، ولا شك كانت لهذه اللغة مكانة ضخمة بين اللغات، ذلك أنها لم تكن لغة عادية كاللغات في نشأتها وتطورها وامتدادها، بل كانت مخالفة للنواميس الطبيعية التي عرفت لمختلف اللغات، فقط ظهرت شابة مكتملة دون أن تمر بمرحلة طفولة أو تتعثر في طريق طويل، وكان نضوجها من الأعاجيب التي شغلت كل الباحثين والعلماء.

والأعجب من هذا أنها عاشت قرابة ألف وخمسمائة سنة وهي تؤدي مهمتها على نحو حي متحرك، تجاوبت فيه مع الزمن والتطور، تفردت حتى بين اللغات السامية باطراد الأوزان وقواعد التصريف وقواعد الإعراب.

واستطاعت أن تجري مع الحضارات وتلبي مطالبها، وقد أكد الباحثون أن بقاء اللغة العربية على هذا النحو يكاد يكون معجزة من المعجزات.

وقد دخلت اللغة العربية أوروبا حين فتح العرب صقلية والأندلس، وتردد صداها في الأنحاء الجنوبية، ولا يزال في الإسبانية والبرتغالية كثير من الكلمات المشتقة من العربية، وقد جمعها العلامتان دوزي وانجلمان في كتاب سمياه (مفردات الكلمات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من العربية) طبع في ليدن ١٨٦٩م.

ثم دخلت الكلمات العربية في لغات أوروبية أخرى كالفرنسية والألمانية والإنجليزية، وقد حوت اللغة الإنجليزية أكثر من ألف كلمة عربية، وهناك ٢٧٠ كلمة من أصل عربي تستعمل في اللغة الانجليزية يوميا، منها كلمة أمير أو أمير البحر الإنجليزية التي أصبحت: (أميرال) ، وقد رصدت الأبحاث المتعددة أنها أضخم اللغات ثروة وأصواتا ومقاطع وحروفا وتعبيرات، حتى إنها تفوق اللغة الإنجليزية في عدد الأصوات، إذ بها (٢٨) حرفا غير مكررة، في حين أن اللغة الانجليزية بها (٢٦) حرفا، ومنها مكرر.

وفي اللغة العربية حروف لأصوات لا توجد في كثير من اللغات الأخرى، مثل الحاء والخاء والضاد والطاء والظاء والعين والغين والقاف، وقد اشتهرت اللغة العربية بالثراء من ناحية الألفاظ عن طريق المترادفات كثرة واضحة (٤٠٠ اسم للأسد – ٣٠٠ للسيف – ٢٠٠ اسم للحية – ٢٥٥ للناقة – ١٧٠ اسم للماء – ١٠٠ اسم للخمر – ٧٠ اسم للمطر) .

كما تنوعت في الأساليب والعبارات: كالحقيقة والمجاز، والتصريح والكناية، ومن هذا الغنى والوفرة جاءت مقدرتها الكبرى في غزو الإمبراطوريتين العظيمتين الفرس والروم، وخاصة الأولى التي نبغ منها كثيرون أمثال: الفيروزأبادي، وابن المقفع، وأبو نواس، وأبو حنيفة، وقد تحولت اللغة العربية بعد الإسلام من لغة الشعر إلى لغة الشرع والفقه، وأصبحت لغة علمية وترجمت عنها عشرات من المؤلفات الفلسفية والعلمية.

وقد تجاوبت اللغة العربية مع التطور، وفي ظل الحضارة العباسية استطاعت أن تساير النهضة، وأن تعرف الآلات والأفكار، وصلحت لترجمة مئات من آثار التراث اليوناني والروماني.

واستطاعت أن تقاوم أكبر معركة للقضاء عليها، وهي حملة التتار على العالم الإسلامي، ثم حملة الصليبيين، واستطاعت أن تعتصم بالمعاهد الكبرى كالأزهر والقرويين والزيتونة التي ظلت حامية لها خلال فترة الضعف التي مرت بالعالم الإسلامي، وفي عهد الأتراك العثمانيين واجهت معركة ضخمة في سبيل البقاء.

واستطاعت أن تقاوم الرغبة في القضاء عليها بإحلال اللغة التركية محلها في المدرسة والمسجد والمحكمة.

وقد أخذت اللغة العربية تزدهر في أوائل القرن التاسع عشر في مواجهة محاولة العثمانيين لزحزحتها عن مكانها، ثم واجهت معركة أخرى من بعد أشد عمقا مع الاستعمار الذي حاول القضاء عليها، وشهر عليها حربا أشد قسوة وضراوة.

وليس أدل على قوة اللغة العربية من اضطرار أمثال " أرنست رينان " وهو المتعصب الكبير ضد العرب وحضارتهم من أن يقول في كتابه " تاريخ اللغات السامية ":

" من أغرب ما وقع في تاريخ البشر وصعب حل سره انتشار اللغة العربية، فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ بدء، فبدأت فجأة في غاية الكمال، سَلِسَة أيَّ سلاسة، غنية أيَّ غنى، كاملة بحيث لم يدخل عليها منذ يومنا هذا أي تعديل مهم، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، ظهرت لأول أمرها تامة مستحكمة، ولم يمض على فتح الأندلس أكثر من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم بالعربية ليفهمها النصارى ".

ورأى مرجليوث أستاذ اللغة العربية في جامعة أكسفورد أن:

" اللغة العربية لا تزال حية حياة حقيقية، إحدى ثلاث لغات استولت على سكان المعمورة استيلاء لم يحصل عليه غيرها: الانجليزية والإسبانية أختاها، وتخالف أختيها بأن زمان حدوثهما معروف، ولا يزيد سنهما على قرون معدودة، أما اللغة العربية فابتداؤها أقدم من كل تاريخ ".

ورأى ماكس فانتاجو في كتابه " المعجزة العربية ":

" أن تأثير اللغة العربية في شكل تفكيرنا كبير، وقد لحظ ذلك الاجتماعي (شبنجلر) ، وسجل ملاحظاته في كتابه الشهير " انهيار الغرب ".

لقد لعبت اللغة العربية دورا أساسيا كوسيلة لنشر المعارف، وآلة للتفكير خلال المرحلة التاريخية التي بدأت حين احتكر العرب على حساب اليونان والرومان طريق الهند، ثم انتهت حين خسروها ".

ورأى جورج سارتون أنه:

" هكذا كانت العربية لغة الله – أي لغة القرآن -، ولغة الوحي ولغة أهل الجنة – لم يثبت هذا في الشرع -، أكد الرسول وجوب قراءة القرآن باللغة العربية، ثم من نتائج هذا الاتجاه العقلي الواحد في التأكيد على الصحة المطلقة للغة العربية أن أصبحت اللغة العربية من اللغات البارزة في العالم، وإحدى الوسائل الأساسية للثقافة في العصور الوسطى، وهي - إلى اليوم - لم تزل لغة أمة موزعة في جميع بقاع الأرض.

إن اللغة العربية من أجمل اللغات في الوجود، إن خزائن المفردات في اللغة العربية غنية جدا، ويمكن بتلك المفردات أن تزاد بلا نهاية، ذلك لأن الاشتقاق المتشابك والأنيق يسهل إيجاد صيغ جديدة من الجذور القديمة بحسب ما يحتاج إليه كل إنسان على نظام معين.

ولغة القرآن على اعتبار أنها لغة العرب كانت بهذا التجديد كاملة، وقد وهب الرسول اللغة العربية مرونة جعلتها قادرة على أن تدون الوحي الإلهي أحسن تدوين، يجمع دقائق معانيه ولغاته، وأن يعبر عنه بعبارات عليها طلاوة، وفيها متانة، وهكذا يساعد القرآن على رفع اللغة العربية إلى مقام المثل الأعلى في التعبير عن المقاصد " انتهى باختصار.

مقتطفات من كتاب " اللغة العربية بين حماتها وخصومها " أنور الجندي (ص/١-٣٥) مطبعة الرسالة.

وانظر أيضا: " مجلة مجمع اللغة العربية " (العدد ٣٤، ص/٥٩-٦٤، مقالا بعنوان: اللغة العربية مكانتها القومية والعالمية في القديم والحديث: محمد شوقي أمين. عضو المجمع)

ومقالا مفيدا على هذا الرابط:

http://www.saaid.net/Minute/٣٣.htm

وكتابين قديمين:

الأول: " الصقعة الغضبية في الرد على منكري العربية " لنجم الدين الطوفي الحنبلي (٧٦١هـ) عقد فصلا بعنوان: فصل في الدلالة على فضل علم العربية (ص/٢٣٣-٢٧٩)

والثاني: " الإعلام بمنزلة العربية من علوم الإسلام " للأزرقي الغرناطي.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>