تزوج ثم ندم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج من خمسة أشهر لكني غير قادر على الانسجام مع زوجتي ذلك لقصرها قصراً فاحشا حيث إني كنت أبحث عن فتاة تناسبني في الطول، فلما وصفها لي أهلي قبل الزواج قالوا لي إنها طويلة، ولما نظرت إليها النظرة الشرعية قبل العقد كانت متزينة، ومسرحة لشعرها وتلبس الكعب العالي وقد لاحظت ذلك في أيام الخطوبة لكن توقعت أن يتحسن شعوري نحوها بعد الزواج فلما تزوجتها ورأيت شكلها الحقيقي وقصرها ولمست طريقة تفكيرها التي تختلف تماما عن طريقة تفكيري كرهتها وأصبحت لا أطيق الحديث معها، حتى إنها أحست بذلك وقالت لي: إنها تشعر بأنني غير مقتنع بها وأنني لا أطيقها، وأحيانا أدخل عليها وهي تبكي، فيتقطع قلبي لأجل الجريمة التي ارتكبتها في حقها، فهي لم تضرني في شيء، بل على العكس وضعتني فوق رأسها، وأحبتني حباً جماً، لكن ماذا أصنع؟ فأنا أحاول جاهداً إقناع نفسي بها لكن دون جدوى، حتى أصبحت تساورني فكرة الطلاق حتى أريحها وأريح نفسي، وتارة أفكر بالزواج من أخرى، أرجوكم أرشدوني إلى حلٍّ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه من المشاكل المتكررة، فأنت لست وحدك الذي يعاني منها، وأصل المشكلة في نظري هو عدم تمكين الزوج من رؤية المخطوبة الرؤية الشرعية الكاملة التي يجلس معها - بدون خلوة طبعاً - ويملأ عينه منها، بل حتى ربما يطلب إعادة الرؤية مرّة أخرى، وفي وقت آخر.
نعم، أنت أخطأت كثيراً حينما وجدت الشعور بالنفرة من هذه الفتاة وأحسست بها أيام الخطوبة فأتممت الزواج، وكان الأجدر بك هو عدم المخاطرة بمثل هذا الأمر، إذ المقدم على الزواج ينبغي أن يكون بكامل التهيؤ له، وليس التردد بالرغبة، فكيف بمن كانت تخالجه مشاعر عدم الرضى كما في حالتك.
المشكلة الحقيقية لديك هي أن هذه الفتاة تحبك وتقدرك، وتقوم بكامل حقوقك عليها، بل وأكثر، ثم هي أيضاً قد حملت منك، ولو كان الأمر بعكس ذلك، لما ترددت بنصحك بالانفصال عنها.
والأَمَرُّ من ذلك وأعمق حزناً أنها تحولت حياتها إلى جحيم لا يطاق، فهي لا تتوانى عن البكاء لما آل إليه حالها، وكيف تحطمت آمالها بالظفر بزوج تبادله الحب والسعادة.
نعم، إنها سنة الله، وحقيقة موجودة يجب أن نعترف بها، ونتعايش معها، وهي قضية عدم التوفيق، ووجود الطلاق، وتحطم الحياة في نظر أحد الزوجين أو كليهما، ولا يمكن التعايش مع مثل هذه الآلام إلا باستشعار الصبر والاحتساب من الله أولاً، ثم الوقوف على أسباب الفشل ثانياً. ولذلك وبما أنك قد كان منك نصيب من الخطأ فأنت يجب أن تتحمل جزءاً ولو يسيراً من عواقب هذا الأمر، والذي يمكن أن يتحدد في ثلاث اتجاهات هي:
أولاً: محاولة التعايش مع هذه الفتاة والتحمل قدر الاستطاعة، والانتظار على الأقل إلى حين قدوم المولود، فلربما تغيرت حالك وتبدل بغضك إلى حب.
ثانياً: إن كانت ظروفك تسمح لك بإبقائها مع النظر في الزواج من امرأة أخرى، تملأ عينك، وتُبْقِي بها على زوجتك الأولى، وترعى معها أطفالك، وتبعدهم عن آلام الانفصال والطلاق، فهذا أمر أيضاً يجدر بك التفكير فيه ملياًً.
الأمر الأخير: إذا لم تصلح معك الحلول السابقة، بل عجزت، وزاد بغضك وانزعاجك من البقاء معها، فقد شرع الطلاق لمثل هذه الحال.
وكونها تتجرع مرارة الطلاق أيسر لها كثيراً من العذاب المستمر معك، وربما تجد الزوج الذي تجد معه سعادتها، وأنت أيضاً ربما تجد الزوجة التي تجد معها سعادتك.
فيكون الطلاق وإن كان بغيضاً هو الحل والعلاج إذا تعذرت العشرة الحسنة بين الزوجين.
حاول التبصر في هذه الأمور الثلاثة، والتفكير فيها ملياً، وعدم التعجل في الأمر، وعليك باللجوء إلى المولى عز وجل بأن يفتح عليك ويلهمك رشدك في هذا الأمر فهو قريب من عباده الصادقين. أعانك الله ووفقك.
د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
ونذكرك بقول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/١٩.
وقوله تعالى: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) البقرة/٢١٦.
وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم (١٤٦٩) .
(لا يفرك) أي لا يبغض.
والمعنى: أنه لا ينبغي للمؤمن أن يبغض مؤمنة، لأنه إن وجد فيها خلقا سيئاً يكرهها بسببه، فسيجد فيها خلقا آخر محمودا يحبها بسببه ككونها عفيفة أو رفيقة به أو مطيعة. . . أو غير ذلك من الأخلاق الحسنة.
وهذا إذا كان فيها من الأخلاق ما لا يرضاه، فكيف إذا كانت قائمة بحقه على أتم وجه؟!.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب