تفسير قوله تعالى هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في السورة رقم (٧٦) - سورة " الإنسان " - قوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) ما المقصود بقوله تعالى (الدهر) ؟ وهل آدم وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ضِمن المقصود بـ " الإنسان" في الآية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سورة الإنسان تبدأ باستفهام تقريري رفيق مُنَبِّهٍ للقلب، يوقظه إلى حقيقةِ عدمه قبل أن يكون، ومن الذي أوجده وجعله شيئا مذكورا بعد أن لم يكن، وجاء على صيغة الاستفهام تشويقا للسامع لينتظر الخطاب الذي يلحقه، فيقول الله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) الإنسان/١
وكلمة (الإنسان) في الآية تعم كل إنسان، إذ البشرُ كلهم مخلوقون، حادثون، وُجدوا بعد أن كانوا في العدم، ولم يكونوا شيئا يذكر، كقوله سبحانه وتعالى – في شأن النبي زكريا عليه السلام -: (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) مريم/٩
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" ذكر الله في هذه السورة الكريمة أول حالة الإنسان، ومبتدأها، ومتوسطها، ومنتهاها، فذكر أنه مر عليه دهر طويل - وهو الذي قبل وجوده - وهو معدوم، بل ليس مذكورا " انتهى.
"تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" (ص/٩٠٠)
ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله:
" المعنى: هل يقر كل إنسان موجود أنه كان معدوما زمانا طويلا، فلم يكن شيئا يذكر، أي: لم يكن يُسمَّى ولا يُتحدَّث عنه بذاته، وتعريف: (الإنسان) للاستغراق، مثل قوله: (إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) العصر: ٢-٣ الآية.
أي: هل أتى على كل إنسان حين كان فيه معدوما. و (الدهر) : الزمان الطويل " انتهى باختصار.
"التحرير والتنوير" (٢٩/٣٤٥-٣٤٦)
ولعل هذا القول – وهو مروي عن ابن عباس وابن جريج – أقرب من القول بتعيين آدم عليه السلام مرادا من قوله (الإنسان) ، فالسياق عام، ويدل على عمومه الآية التي بعدها، التي يقول الله تعالى فيها: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) ، ومعلوم أن بني آدم هم الذين خلقوا من نطفة أمشاج، فهو دليل على أن المراد بكلمة (الإنسان) في الآية الأولى جميع الناس.
وهذا النفي لوجود الإنسان إنما هو بالنسبة للخلق والواقع، وبهذا الاعتبار فالنفي يشمل جميع الخلق، حتى الرسل والأنبياء، فكلهم كانوا في العدم ثم خلقهم الله تعالى.
أما بالنسبة لذكر الله تعالى وعلمه، فالبشر كلهم مذكورون في العلم الأزلي، مكتوبون في اللوح المحفوظ، وللرسل والأنبياء جميعا ذكر خاص في المرتبة العليا، فهم أفضل البشر، وذكرهم في علم الله تعالى يناسب رفيع مقام النبوة والرسالة التي وهبهم الله إياها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب