للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرد على من استدل بحديث الخثعمية على جواز كشف المرأة وجهها

[السُّؤَالُ]

ـ[السؤال: حديث الفضل بن العباس عندما جاءت امرأة حسناء تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الفضل رديفه في حجة الوداع، فحوَّل النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل، ألم تكن سافرة الوجه، ولم يعب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فهل يدل ذلك على جواز كشف المرأة لوجهها؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا يصح الاستدلال بحديث الفضل بن العباس رضي الله عنه على جواز كشف الوجه، وقد أجاب العلماء على ذلك بجوابين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:

" وأجيب عن ذلك أيضاً من وجهين:

الأول: أنه ليس في شيء من روايات الحديث التصريح بأنها كانت كاشفة عن وجهها، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رآها كاشفة عنه، وأقرّها على ذلك، بل غاية ما في الحديث أنها كانت (وضيئة) ، وفي بعض روايات الحديث: (أنها حسناء) ، ومعرفة كونها وضيئة، أو حسناء لا يستلزم أنها كانت كاشفة عن وجهها، وأنه صلى الله عليه وسلم أقرّها على ذلك، بل قد ينكشف عنها خمارها من غير قصد، فيراها بعض الرجال من غير قصد كشفها عن وجهها.

ويحتمل أن يكون يُعرف حسنُها قبل ذلك الوقت؛ لجواز أن يكون قد رآها قبل ذلك وعرفها، ومما يوضح هذا: أن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما الذي روي عنه هذا الحديث لم يكن حاضراً وقت نظر أخيه إلى المرأة، ونظرها إليه؛ لما قدمنا من أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قدمه بالليل من " مزدلفة " إلى " مِنى " في ضعفة أهله، ومعلوم أنه إنما روى الحديث المذكور من طريق أخيه الفضل، وهو لم يقل له: إنها كانت كاشفة عن وجهها، واطّلاع الفضل على أنها وضيئة حسناء لا يستلزم السفور قصدًا لاحتمال أن يكون رأى وجهها، وعرف حسنه من أجل انكشاف خمارها من غير قصد منها، واحتمال أنه رآها قبل ذلك وعرف حسنها.

فإن قيل: قوله: " إنها وضيئة "، وترتيبه على ذلك بالفاء.

وقوله: " فطفق الفضل ينظر إليها وقوله: " وأعجبه حسنها ": فيه الدلالة الظاهرة على أنه كان يرى وجهها، وينظر إليه لإعجابه بحسنه.

فالجواب: أن تلك القرائن لا تستلزم استلزاماً، لا ينفكّ أنها كانت كاشفة، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم رآها كذلك، وأقرّها؛ لما ذكرنا من أنواع الاحتمال، مع أن جمال المرأة قد يُعرف، وينظر إليها لجمالها وهي مختمرة، وذلك لحسن قدّها وقوامها، وقد تُعرف وضاءتها وحسنها من رؤية بنانها فقط، كما هو معلوم، ولذلك فسّر ابن مسعود: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) : بالملاءة فوق الثياب، كما تقدم.

الوجه الثاني: أن المرأة مُحرِمة، وإحرام المرأة في وجهها وكفيها، فعليها كشف وجهها إن لم يكن هناك رجال أجانب ينظرون إليه، وعليها ستره من الرجال في الإحرام، كما هو معروف عن أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهن، ولم يقل أحد إن هذه المرأة الخثعمية نظر إليها أحد غير الفضل بن عباس رضي اللَّه عنهما، والفضل منعه النبيّ صلى الله عليه وسلم من النظر إليها، وبذلك يُعلم أنها محرمة، لم ينظر إليها أحد، فكشفها عن وجهها إذًا لإحرامها لا لجواز السفور.

فإن قيل: كونها مع الحُُجاج مظنّة أن ينظر الرجال وجهها إن كانت سافرة، لأن الغالب أن المرأة السافرة وسط الحجيج، لا تخلو ممن ينظر إلى وجهها من الرجال.

فالجواب: أن الغالب على أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم الورع، وعدم النظر إلى النساء، فلا مانع عقلاً، ولا شرعاً، ولا عادةً، من كونها لم ينظر إليها أحد منهم، ولو نظر إليها: لحُكي، كما حُكي نظر الفضل إليها، ويُفهم من صرف النبيّ صلى الله عليه وسلم بصر الفضل عنها: أنه لا سبيل إلى ترك الأجانب ينظرون إلى الشابة وهي سافرة، كما ترى، وقد دلَّت الأدلَّة على أنها يلزمها حجب جميع بدنها عنهم.

وبالجملة: فإن المنصف يعلم أنه يبعد كل البعد أن يأذن الشارع للنساء في الكشف عن الوجه أمام الرجال الأجانب، مع أن الوجه هو أصل الجمال، والنظر إليه من الشابة الجميلة هو أعظم مثير للغريزة البشرية وداعٍ إلى الفتنة، والوقوع فيما لا ينبغي، ألم تسمع بعضهم، يقول:

قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة ... ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم

أترضى أيها الإنسان أن تسمح له بهذه النظرة إلى نسائك، وبناتك، وأخواتك؟! .

ولقد صدق من قال:

وما عجب أن النساء ترجلت ... ولكن تأنيث الرجال عجاب " انتهى.

" أضواء البيان " (٦ / ٢٥٤ – ٢٥٦) .

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله:

" وقد استدل بهذا – أي: حديث الخثعمية -: مَن يرى أن المرأة يجوز لها كشف الوجه، وهذا الحديث - بلا شك - من الأحاديث المتشابهة، التي فيها احتمال الجواز، وفيها احتمال عدم الجواز، أما احتمال الجواز: فظاهر، وأما احتمال عدم الدلالة على الجواز: فإننا نقول: هذه المرأة محرمة، والمشروع في حق المحرِمة أن يكون وجهها مكشوفاً، ولا نعلم أن أحداً من الناس ينظر إليها سوى النبي صلى الله عليه وسلم، والفضل بن العباس، فأما الفضل بن العباس: فلم يقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم، بل صرف وجهه، أما النبي صلى الله عليه وسلم: فإن الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكَر أن النبي صلى عليه وسلم يجوز له من النظر إلى المرأة، أو الخلوة بها، ما لا يجوز لغيره، كما جاز له أن يتزوج المرأة بدون مهر، وبدون ولي، وأن يتزوج أكثر من أربع، والله عز وجل قد فسح له بعض الشيء في هذه الأمور؛ لأنه أكمل الناس عفةً، ولا يمكن أن يرِد على النبي صلى الله عليه وسلم ما يرِد على غيره من الناس، من احتمال ما لا ينبغي أن يكون في حق ذوي المروءة.

وعلى هذا: فإن القاعدة عند أهل العلم: أنه إذا وُجد الاحتمال: بَطَل الاستدلال، فيكون هذا الحديث من المتشابه، والواجب علينا في النصوص المتشابهة: أن نردها إلى النصوص المحكمة، الدالة دلالة واضحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها، وأن كشف المرأة وجهها من أسباب الفتنة، والشر " انتهى.

"دروس وفتاوى الحرم المكي" (١٤٠٨ هـ، شريط رقم ١٦، وجه: ب) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>