نهي من طال غيابه عن زوجته أن يأتيها فجأة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث: (لا يأتين أحدكم أهله بليل حتى لا يجد ما يكره، فإن وجد ما يكره فليشهدن أربع....) الحديث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يأت هذا الحديث بهذا اللفظ – فيما نعلم – لكن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من طال غيابه عن زوجته أن يأتيها فجأة، وجاء تعليل هذا الحكم بعلتين:
الأول:
كي تتجهز الزوجة بالتنظف والتجمل وتهيئة نفسها لاستقبال زوجها بعد غيابه الطويل.
فعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ، فلما قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فقال: (أَمْهِلُوا حتى نَدْخُلَ لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً - كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ) رواه البخاري (٥٠٧٩) ، ومسلم (٧١٥) .
قال النووي في "شرح مسلم" (١٠/٥٤) : "الاستحداد: استعمال الحديدة في شعر العانة، وهو إزالته بالموسى، والمغيبة هي التي غاب عنها زوجها " انتهى.
العلة الثانية:
حتى لا يهدم الرجل بيته باتهامه لزوجته.
فعن جَابِرٍ رضي الله عنهما قال: (نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أو يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ) رواه البخاري (٥٢٤٣) ومسلم (٧١٥) .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٩/١٢٣) :
"يقع الذي يهجم بعد طول الغيبة غالبا ما يكره، إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظف والتزين المطلوب من المرأة، فيكون ذلك سبب النفرة بينهما، وقد أشار إلى ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (كي تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة) .
وإما أن يجدها على حالة غير مرضية، والشرع محرض على الستر وقد أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: (أن يتخونهم ويتطلب عثراتهم) ...
قال ابن أبي جمرة: فيه النهي عن طروق المسافر أهله على غرة من غير تقدم إعلام منه لهم بقدومه، والسبب في ذلك ما وقعت إليه الإشارة في الحديث قال: وقد خالف بعضهم فرأى عند أهله رجلا فعوقب بذلك على مخالفته.
قال الحافظ: وأشار بذلك إلى حديث أخرجه ابن خزيمة عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطرق النساء ليلا، فطرق رجلان كلاهما وجد مع امرأته ما يكره) وأخرجه من حديث ابن عباس نحوه وقال فيه: (فكلاهما وجد مع امرأته رجلاً) " انتهى بتصرف واختصار.
وقد أنكر ابن العربي رحمه الله أن يكون سبب هذا النهي حتى لا يجد مع امرأته رجلاً، وضَعَّف ما روي في ذلك، فقال رحمه الله:
"وقد سمعت عن بعض أهل الجهالة – غفرها الله لك وسترها عليك - أن معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم لهم لئلا يفتضح النساء، كما جرى لمن خالف النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي روي لم يصح بحال، ولو صح لما كان دليلا على أن النبي صلى الله عليه وسلم قصده.
فلا يصح لأحد له معرفة بمقاصد الشريعة ومقدار النبي صلى الله عليه وسلم أن يصححه ولا يجيزه" انتهى.
"عارضة الأحوذي" (٥/٣٦٥) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب