للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذا لم يعلم هل ذكي الحيوان أو مات بالصعق؟

[السُّؤَالُ]

ـ[يقوم الألمان بذبح الحيوانات، وهم مأمورون بأن يقوموا بصعق الحيوان قبل الذبح. فما حكم هذه اللحوم وهم يعدون من أهل الكتاب؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

الأصل أن ما ذبحه الكتابي فهو حلال، يهوديا كان أو نصرانيا؛ لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) المائدة/٥.

ثانيا:

يشترط لحل الذبيحة من المسلم والكتابي أن يكون الذبح في محله، فيقطع الودجين، وإن قطع مع ذلك الحلقوم وهو مجرى النَّفَس، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب كان أكمل في الذبح.

وأما صعق الحيوان قبل ذبحه ففيه تفصيل:

فإن تم الذبح وفي الحيوان حياة، جاز أكله، كأن يكون الصعق خفيفا، ويبادر الذابح إلى الذبح فورا.

وإن كان الذبح بعد موت الحيوان، لم يجز أكله، ويكون في حكم الموقوذة، والموقوذة "هي التي ترمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية" كما روي عن ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والسدي. "تفسير القرطبي" (٦/٤٦) .

ويدل على ذلك قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/٣.

فقوله: (إلا ما ذكيتم) : استثناء يدل على حل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إذا أُدركت وهي حية، وذُكيت.

والمراد بالحياة هنا: الحياة المستقرة، وتعرف بحركتها أثناء الذبح وبتدفق الدم منها.

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": (٩/٣٢٢) : " والمنخنقة , والموقوذة , والمتردية , والنطيحة , وأكيلة السبع , وما أصابها مرض فماتت به , محرمة , إلا أن تُدرك ذكاتها ; لقوله تعالى: (إلا ما ذكيتم) . وفي حديث جارية كعب (أنها أصيبت شاة من غنمها , فأدركتها , فذبحتها بحجر , فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلوها) . فإن كانت لم يبق من حياتها إلا مثل حركة المذبوح , لم تبح بالذكاة.

وإن أدركها وفيها حياة مستقرة , بحيث يمكنه ذبحها , حلت ; لعموم الآية والخبر. وسواء كانت قد انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش ; لعموم الآية والخبر , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل , ولم يستفصل. وقد قال ابن عباس في ذئب عدا على شاة , فعقرها , فوقع قصبها بالأرض , فأدركها , فذبحها بحجر , قال: يلقي ما أصاب الأرض , ويأكل سائرها. وقال أحمد في بهيمة عقرت بهيمة , حتى تبين فيها آثار الموت , إلا أن فيها الروح. يعني فذبحت. فقال: إذا مصعت بذَنَبها , وطرفت بعينها , وسال الدم , فأرجو إن شاء الله تعالى أن لا يكون بأكلها بأس. وروي ذلك بإسناده عن عقيل بن عمير , وطاوس. وقالا: تحركت. ولم يقولا: سال الدم. وهذا على مذهب أبي حنيفة. وقال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن شاة مريضة , خافوا عليها الموت , فذبحوها , فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها , أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف , فنهر الدم؟ قال: فلا بأس به " انتهى.

وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم أكل لحوم الذبائح التي تذبحها الدولة المسلمة بطريق الآلة الكهربائية؟ علماً بأن البهيمة تسلط عليها الآلة الكهربائية حتى تسقط في الأرض ثم يتولى الجزار ذبحها فور سقوطها على الأرض.

فأجابت: "إذا كان الأمر كما ذكر من ذبح الجزار بهيمة الأنعام فور سقوطها على الأرض من تسليط الآلة الكهربائية عليها، فإذا قُدِّر ذبحه إياها وفيها حياة جاز أكلها، وإن كان ذبحه إياها بعد موتها لم يجز أكلها، وذلك أنها في حكم الموقوذة، وقد حرمها الله إلا إذا ذكيت، والذكاة لا أثر لها إلا فيما ثبتت حياته بتحريك رِجْل أو يد أو تدفق الدم ونحو ذلك مما يدل على استمرار الحياة حتى انتهاء الذبح، قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/٣، فأباح ما أصيب من بهيمة الأنعام بخطر بشرط تذكيته، وإلا فلا يحل أكلها" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (٢٢/٤٥٥) .

وجاء فيها أيضا (٢٢/٤٥٦) : "أولاً: إن كان صعقها بضرب رأسها أو تسليط تيار كهربائي عليها مثلاً فماتت من ذلك قبل أن تذكى فهي موقوذة لا تؤكل، ولو قطع رقبتها، أو نحرها في لبتها (أسفل العنق) بعد ذلك، وقد حرمها الله تعالى في قوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ) المائدة/٣، وقد أجمع علماء الإسلام على تحريم مثل هذه الذبيحة.

وإن أدركت حية بعد صعقها بما ذكر ونحوه وذبحت أو نحرت جاز أكلها، لقوله تعالى في آخر هذه الآية بالنسبة للمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع: (إلا ما ذكيتم) . فاستثنى سبحانه من هذه المحرمات ما أدرك منها حياً وذكّي، فيؤكل لتأثير التذكية فيه بخلاف ما مات منها بالصعق قبل الذبح أو النحر، فإن التذكية لا تأثير لها في حله، وبهذا يعلم أن القرآن حرم ما يصعق من الحيوانات إذا مات بالصعق قبل تذكيته، لأن المصعوقة موقوذة، وقد بيّن الله في آية المائدة تحريمها إلا إذا أدركت حيّة وذكّيت بذبح أو نحر.

ثانياً:

يحرم صعق الحيوان بضرب أو تسليط كهرباء أو نحوهما عليه، لما فيه من تعذيبه، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إيذائه وتعذيبه، وأمر بالرفق والإحسان مطلقاً، وفي الذبح خاصة فقد روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً) ، وروى مسلم جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتل شيء من الدواب صبراً) ، وروى مسلم أيضاً عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) .

فإن كان لا يتيسر ذبح الحيوان أو نحره إلا بعد صعقه صعقاً لا يقضي عليه قبل ذبحه أو نحره جاز صعقه ثم تذكيته حال حياته للضرورة " انتهى.

ثالثا:

إذا كان الأمر كما ذكرت من أنهم يصعقون الحيوان قبل ذبحه، فهنا ثلاث احتمالات:

الأول: ما علمنا أنه صعق ثم ذكي قبل موته، فهذا يحل أكله.

الثاني: ما علمنا أنه مات من الصعق، فلا يحل أكله.

الثالث: إذا جهل الحال، فإنه يؤخذ بالأغلب، فإن كان الأغلب في البلد أنهم يذبحون الحيوان بعد موته بالصعق، فلا يحل الأكل من هذه الذبائح التي جهل حالها، وإن كان الأغلب هو ذبحها وفيها حياة مستقرة، جاز الأكل.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>