إذا وقع الكسوف وقت الجمعة فبأيهما يبدأ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا تعارض وقت حصول الكسوف مع وقت صلاة الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كسفت الشمس يوم الجمعة، فإن كان ذلك قبل الجمعة بوقت يسع صلاة الكسوف المعتادة، كما لو كان الكسوف في الضحى أو قريبا منه، بدئ بالكسوف، ثم صليت الجمعة في وقتها، وإن وقع الكسوف في وقت الجمعة، فإن خيف فوات الجمعة، قدمت اتفاقا.
وإن أمن فواتها، فالجمهور على تقديم الكسوف، وذهب الحنابلة في قول اختاره ابن قدامة رحمه الله إلى تقديم الجمعة؛ لأن البدء بالكسوف يفضي إلى المشقة، ويقتضي حبس الناس لأجله وإلزامهم بصلاته، وهي غير واجبة في الأصل.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (٢/١٤٦) : " وإذا اجتمع صلاتان , كالكسوف مع غيره من الجمعة , أو العيد , أو صلاة مكتوبة , أو الوتر , بدأ بأخوفهما فوتا , فإن خيف فوتهما بدأ بالصلاة الواجبة , وإن لم يكن فيهما واجبة كالكسوف والوتر أو التراويح , بدأ بآكدهما , كالكسوف والوتر , بدأ بالكسوف ; لأنه آكد , ولهذا تسن له الجماعة , ولأن الوتر يقضى , وصلاة الكسوف لا تقضى.
فإن اجتمعت التراويح والكسوف , فبأيهما يبدأ؟ فيه وجهان، هذا قول أصحابنا، والصحيح عندي أن الصلوات الواجبة التي تصلى في الجماعة مقدمة على الكسوف بكل حال ; لأن تقديم الكسوف عليها يفضي إلى المشقة , لإلزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة عليهم , وانتظارهم للصلاة الواجبة , مع أن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخفيف الصلاة الواجبة , كي لا يشق على المأمومين , فإلحاق المشقة بهذه الصلاة الطويلة الشاقة , مع أنها غير واجبة , أولى، وكذلك الحكم إذا اجتمعت مع التراويح , قدمت التراويح لذلك , وإن اجتمعت مع الوتر في أول وقت الوتر قدمت؛ لأن الوتر لا يفوت , وإن خيف فوات الوتر قدم ; لأنه يسير يمكن فعله وإدراك وقت الكسوف , وإن لم يبق إلا قدر الوتر , فلا حاجة بالتلبس بصلاة الكسوف ; لأنها إنما تقع في وقت النهي، وإن اجتمع الكسوف وصلاة الجنازة , قدمت الجنازة وجها واحدا ; لأن الميت يخاف عليه , والله أعلم " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (٥/٦١) : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: إذا اجتمع صلاتان في وقت واحد قدم ما يخاف فوته , ثم الأوكد , فإذا اجتمع عيد وكسوف , أو جمعة وكسوف وخيف فوت العيد أو الجمعة لضيق الوقت قدم العيد والجمعة؛ لأنهما أوكد من الكسوف وإن لم يخف فوتهما فالأصح وبه قطع المصنف [أبو إسحاق الشيرازي] والأكثرون: يقدم الكسوف، لأنه يخاف فوته " انتهى بتصرف.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (٢٧/٢٥٨) .
والذي يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله؛ لما ذكر من المشقة، ولأن الجمعة آكد وأهم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا اجتمعت صلاتان صلاة الكسوف مع غيرها، كصلاة الفريضة، أو الجمعة، أو الوتر، أو التراويح، فأيهما يقدم؟
فأجاب: " الفريضة مقدمة على الكسوف والخسوف؛ لأنها أهم، ولأن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (١٦/٣٠٧) .
ثانيا:
إذا بدأ الإمام بالجمعة، خطب لها وصلاها، ثم صلى الكسوف وخطب له، وإذا بدأ بصلاة الكسوف وفرغ منها، خطب للجمعة، وذكّر فيها بالكسوف، ثم صلى الجمعة، واستغنى بخطبتي الجمعة عن الخطبة للكسوف.
قال النووي رحمه الله في الموضع السابق: " ولو اجتمع جمعة وكسوف واقتضى الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى الجمعة , ثم الكسوف , ثم خطب للكسوف.
وإن اقتضى الحال تقديم الكسوف بدأ بها , ثم خطب للجمعة خطبتها , وذكر فيهما شأن الكسوف وما يندب في خطبتيه ولا يحتاج إلى أربع خطب , وقال أصحابنا: ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة، وكذا نص عليه الشافعي في الأم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب