للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حديث مكذوب في فضل سبحان الله والحمد لله

[السُّؤَالُ]

ـ[أريد أن أعرف مدى صحة الحديث القائل بأنه: إن قال قائل سبحان الله تزرع له نخلة في الجنة، فإن قال الحمد لله تكون أوراقها ملائكة يسألون الله لك المغفرة حتى يوم القيامة.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

جاء في الحديث الصحيح في فضل التسبيح أنها كلمةٌ تُغرس بها نخلة في الجنة.

فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ)

رواه الترمذي (٣٤٦٤) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير عن جابر. وقال المنذري (٢/٣٤٧) : إسناده جيد. وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (١/١٠٤) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (حديث رقم/٦٤)

ثانيا:

أما الأحاديث الواردة في بيان صورة النخلة التي تغرسها كلمة " سبحان الله "، وتفصيل أوراقها وأغصانها، فلم يصح منها شيء، وقد ورد فيها ثلاثة أحاديث مرفوعة – بحسب ما وقفنا عليه – كلها شديدة الضعف أو مكذوبة، وهذا بيان ذلك:

الحديث الأول:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه فقرا أو دينا في حاجة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق وبها ينزل الله الرزق من السماء؟

قال ابن عمر: فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟

قال فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا، وكان متكئا، فقال:

يا ابن عمر! تقول من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وأستغفر الله، مائة مرة، تأتيك الدنيا راغمة ذاخرة، ويخلق الله عز وجل من كل كلمة تقولها ملكا يسبح له، لك ثوابه إلى يوم القيامة)

جاء هذا الحديث من طرق ثلاثة، كلها كذب موضوعة:

١- من طريق إسحاق بن إبراهيم الطبري، عن عبد الله بن الوليد العدني، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر به.

رواه ابن حبان في "المجروحين" (١/١٣٨) بسنده، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (٣/١٦٤) ، ورواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (١/٣٤٣) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (٣٧٣١) ، ونقله الحافظ في "لسان الميزان" من إخراج الدارقطني له في "الرواة عن مالك"، ولعل الدارقطني يرويه هنا عن ابن حبان، فإنه كذلك في سند ابن الجوزي، وعزاه السيوطي في "الخصائص الكبرى" (٢/٢٦٢) للخطيب البغدادي في "رواة مالك"، وعزاه العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (١/٢٩٩) إلى المستغفري في " الدعوات ".

قلت: وهذا سند منكر جدا، بسبب إسحاق بن إبراهيم الطبري: قال فيه ابن حبان: " منكر الحديث جدا، يأتي عن الثقات الأشياء الموضوعات، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب " انتهى.

٢- من رواية ابن الجوزي في "الموضوعات" (٣/١٦٤) عن بعض المجهولين، حيث قال: وقد روي من طريق آخر الله أعلم بها: أنبأنا إسماعيل بن أبي صالح المؤذن، أنبأنا عبد الله بن علي بن إسحاق الفقيه، أنبأنا أبو حسان محمد بن أحمد المزكي، حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جابر العطار، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم الهروي، حدثنا أبو رجاء محمد بن أحمد بن حمدويه، حدثنا علي بن الجهم، حدثنا عبد الله بن الوليد، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر: " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنى أكد في العمل ولا يأتيني إلا الجهد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فأين أنت عن تسبيح الملائكة؟ قالوا: وما هو؟ قال: أن تسبح قبل أن تصلي الفجر مائة مرة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أتاك الله برزقك وإن كرهت " انتهى.

٣- قال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (١/٤٦٢) :

" وله طريق آخر: قال الحاكم في " تاريخه ": حدثنا محمد بن أحمد النصرأباذي، حدثنا العباس بن حمزة، حدثنا أحمد بن خالد الشيباني، حدثنا عبد الله بن نافع المدني، عن مالك به. فذكره بلفظ الطريق الأول سواء. وأحمد بن خالد: الظاهر أنه الجويباري: أحد الدجالين الكبار. والله أعلم " انتهى.

ولذلك اتفق المحدثون على ضعف هذا الحديث.

فقال عنه ابن حبان في "المجروحين" (١/١٣٨) : لا أصل له بجمله، ولا أشك أنه موضوع على مالك " انتهى.

وقال ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (١/٣٤٣) :

" باطل عن مالك " انتهى.

وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (٣/١٦٤) :

" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.

وقال العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين للغزالي" (١/٢٩٩) :

" أخرجه المستغفري في " الدعوات " من حديث ابن عمر، وقال: غريب من حديث مالك، ولا أعرف له أصلا في حديث مالك " انتهى.

ويقول الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (٣/٤٣٤) ، في ترجمة عبد الرحمن بن محمد اليحمدي، ويقال التميمي:

" شيخ مجهول، روى عنه أحمد بن محمد بن غالب المعروف بغلام خليل وهو تالف، وأخرج الدارقطني في " الرواة عن مالك " عن داود بن حبيب، عن أحمد بن محمد بن غالب، عنه، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رجل: يا رسول الله! وذكر الحديث.

قال الحافظ ابن حجر: وأخرجه الخطيب من طريق أبي الفتح الأزدي، عن عبد الله بن غالب، عن غلام خليل، عن عبد الرحمن بن محمد التميمي به.

وأخرج من طريق أبي حمة محمد بن يوسف، عن يزيد بن أبي حكيم، عن إسحاق بن إبراهيم الطبري، عن مالك نحوه، وقال: لا يصح عن مالك، ولا أظن إسحاق لقي مالكا.

وقد رواه جماعة بأسانيد كلها ضعاف " انتهى باختصار.

وقد سبق الحكم عليه في جواب السؤال رقم (١١٠٩٤٩) .

الحديث الثاني:

أورد السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (٢/٤٠) حديثا بهذا المعنى أيضا:

(من قال سبحان الله وبحمده، خلق الله ملكا، له عينان، وجناحان، وشفتان، ولسان، يطير مع الملائكة، ويستغفر لقائلها إلى يوم القيامة)

وأروده صاحب السيرة الحلبية (١/٢٤٦) ، وأيضا في "نزهة الجالس" (ص/٢٨٧)

ولم نقف على إسناد لهذا الحديث.

الحديث الثالث:

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من قال: سبحان الله وبحمده: غرس الله له ألف ألف نخلة في الجنة، أصلها ذهب، وفروعها در، وطلعها كثدي الأبكار، أحلى من العسل، وألين من الزبد، كلما أخذ منها شيء عاد كما كان)

رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (٢/١٥٠) قال: ثنا حذيفة، ثنا أبو أمية، ثنا جعفر بن جسر بن فرقد القصاب، عن أبيه، عن ثابت، عن أنس به.

قلت: وجعفر بن جسر هذا، قال فيه ابن عدي في "الكامل" (٢/١٥٠) بعد أن ذكر حديثه هذا في مناكيره:

" لجعفر بن جسر أحاديث مناكير غير ما ذكرت، ولم أر للمتكلمين في الرجال فيه قولا، ولا أدري كيف غفلوا عنه؛ لأن عامة ما يرويه منكر، وقد ذكرته لما أنكرت من الأسانيد والمتون التي يرويها، ولعل ذاك إنما هو من قبل أبيه، فإن أباه قد تكلم فيه من تقدم ممن يتكلمون في الضعفاء؛ لأني لم أر يروي جعفر عن غير أبيه " انتهى.

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (١/١٨٧) :

" حفظه فيه اضطراب شديد، كان يذهب الى القدر، وحدث بمناكير " انتهى.

وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (٢/٨٣٣) :

" هذا حديث لا يصح " انتهى.

وضعفه ابن القيم في "المنار المنيف" (ص/٤٣) ، والحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" (١/٤٠٤)

وقد جاء من كلام شهر بن حوشب، الراوي المعروف، قوله:

(من قال: سبحان الله وبحمده: خلق الله من كلمته تلك ملكا، فيذهب إلى السماء الرابعة فيغتسل في نهر يقال له الحياة، ثم يخرج منها، فينفض جناحه، فيقطر منه مثل قطر السماء، فيخلق الله عز وجل من كل قطرة ملكا يسبحه، ويقدسه، ويثبت ذلك للعبد إلى النفخة الأولى)

رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (١/٤٩٢) قال: حدثنا الفضل بن العباس بن مهران، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن أبي حسين، عن شهر بن حوشب به.

والحاصل أنه لم يصح حديث في أنه إذا سبح المسلم ربه، خلق الله تعالى ملكا يستغفر له إلى يوم القيامة.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>