إذا شَكَّ في الميت هل كان يصلي أم لا فهل يصلي عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأوقات تكون هناك جنازة فأقوم بالصلاة عليها دون معرفة ما إذا كان صاحبها مسلما أم لا، لأن المسجد يصلي على أي واحد ينطق بالشهادة حتى ولو لم يصل أبدا. فما الذي علي فعله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن يصلى على كل مسلم يقول: لا إله إلا الله، ولا يعلم وقوعه في ناقض من نواقضها، فإذا جيء بجنازة للمسجد صلى عليها الإمام، حملا على هذا الأصل، وتغليبا لحسن الظن.
وتارك الصلاة الذي لا يصليها مطلقا، كافر، سواء تركها كسلا أو جحودا، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق ذكر بعضها في جواب السؤال رقم (٥٢٠٨) ورقم (٨٣١٦٥) .
فإذا علمت أن فلانا من الناس قد مات تاركا للصلاة، فلا يجوز أن تصلي عليه؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/٨٤.
وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/١١٣.
وإذا شككت في حال الميت لوجود قرائن تدل على أنه لم يكن يصلي، فإنك تصلي عليه وتشترط في الدعاء، فتقول: اللهم إن كان مؤمنا فاغفر له وارحمه ... الخ.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا غلب على الظن بأن الميت لا يصلى فهل يمتنع المسلم من الصلاة عليه؟
فأجاب:
" لا يمتنع من الصلاة عليه، ولو غلب على ظنه أنه لا يصلى، ما لم يتيقن أنه لا يصلى ولكن إذا كانت غلبة الظن مبنية على قرائن قوية فإنه إذا أراد الدعاء له يقيّد ذلك فيقول: اللهم إن كان مؤمناً اللهم فاغفر له وارحمه إلى آخر الدعاء. والدعاء بالشرط قد جاء به الكتاب والسنة فإن الله سبحانه وتعالى قال في آية اللعان في شهادة الرجل على امرأته بالزنى قال: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) فهذا دعاء بشرط.
وفي حديث الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى حين ابتلاهم الله عز وجل، وفي القصة أن الملَك أتى الأبرص والأقرع كلا منهما في صورته التي كان عليها وقال له: (أي: الملك) أنا فقير وعابر سبيل أسألك يعني أن يمده بشيء يتبلّغ به في سفره، فقال كل منهما: الحقوق كثيرة، وإنما ورثت المال هذا كابراً عن كابر فقال له الملَك: إن كنت كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت.
فقيّد هذا الدعاء بالشرط.
وفي دعاء الاستخارة يقول الرجل: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا خير لي في ديني ودنياي) فإذا قُدم الميت الذي يغلب على الظن أنه لا يصلى بدون يقين أنه لا يصلى فإن الإنسان يقول: اللهم إن كان هذا مؤمنا فاغفر له وارحمه.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن أشياء مشكلة عليه، منها: أنه يقدم جنائز للصلاة عليها يشك الإنسان في أنه مبتدع لا يصلى عليه أو متمسك بالسنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في المنام: عليك بالشرط يا أحمد. والشرط أن يقول: اللهم إن كان مؤمنا على السنة فاغفر له وارحمه ... الخ.
أما إذا علمت أنه لا يصلى فإنه لا يحل لك أن تصلى عليه لا أنت ولا غيرك؛ لقول الله تبارك وتعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) فنهى الله تعالى أن يصلى على هؤلاء المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر " انتى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل رحمه الله: إذا قُدِّم للإمام في صلاة الجنازة من يشكّ في إسلامه ماذا يصنع؟
فأجاب: " يجب أن يصلي عليه؛ لأن الأصل أن المسلم باقي على إسلامه، ولكنه عند الدعاء له يشترط فيقول: " اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه "، والله تعالى يعلم حاله هل هو مؤمن أم لا، وبهذا يسلم من التبعة، يسلم من أن يدعو لشخص كافر بالمغفرة والرحمة ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (١٧/١١٥) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب