أسلم وأمه تريد منه الرجوع إلى النصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب من اليونان وأبلغ من العمر ١٨ عاما. وقد أسلمت منذ أسبوعين. وأنا أصلي بشكل عادي خمس مرات في اليوم، وأذهب للمسجد وأدرس القرآن. لكني واجهت بعض المشاكل منذ ذاك. صديقتي قبلت بذلك ونحن نخطط على الزواج في المستقبل. وكذلك فقد قبلت أختي بالأمر. لكن أمي هي المشكلة. فقد دب الفتور في علاقتها معي. فهي تريدني أن أعود للنصرانية مرة أخرى وهي لا تقبل بالإسلام على الإطلاق. لقد قالت لي إن النصارى سينظرون إليّ على أني خائن وسيقول المسلمون إني تابع لهم، لأني ولدت نصرانيا. أنا لم أخبر أبي بأي شيء حتى الآن (فوالداي مطلقان) ، وذلك لأنه لن يقبل بذلك (فهو نصراني أيضا) ولأنه سيتشاجر مع والدتي. أفضل صديق عندي هو مسلم وقد ساعدني كثيرا، لكن والدتي تظن أنه أجبرني على الإسلام، وهذا غير صحيح. لقد درست الإسلام وأدركت أنه الدين الصحيح، وذلك الذي دفعني لاعتناقه. ما هي نصيحتك للتعامل مع أهلي؟ أنا لا أريد أن أخيب أملهما، خصوصا والدتي، لأنها عانت كثيرا بسبب الطلاق. وأشكرك على اهتمامك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك ونبارك لك، على هذه النعمة التي مَنَّ الله بها عليك، فإنها والله أعظم النعم، وإنه التوفيق الذي نسأل الله أن يدخلك به الجنة، ويجمعك به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فهنيئا لك , ثم هنيئا لك، أقبلت على الله في هذه السن التي أقبل في مثلها الأخيار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كمصعب بن عمير، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وسعد بن معاذ. نهنئك لأن صحيفتك صارت بيضاء نقية، لم تندس بالذنوب، فقد محى الإسلام ما كان قبله، وأنت الآن تستقبل عمرا جديدا، وحياة سعيدة بإذن الله، ونسأل الله أن يحفظك، ويثبت قلبك، ويهدي والديك وإخوانك وأحبابك.
ثانيا:
نحمد الله أنك بدأت طريق الهداية بالذهاب إلى المسجد، ودراسة القرآن، فإن هذا عنوان الخير، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري (٧١) ومسلم (١٠٣٧) . وعليك أن تبذل الجهد في حفظ القرآن وترتيله وقيام الليل به، وتعلم أحكامه، والعمل بما فيه، فإن الجنة درجات، وإن صاحب القرآن يقال له في الجنة: اقرأ وارتق، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.
ثالثا:
إن الموقف الذي بدر من أمك تجاهك، لا يُستغرب، فإن معركتك الحقيقية مع الشيطان، وهو لا يرضى بإسلامك، ولا يحب لك الخير، فلا شك أنه سيستعين بأقاربك، ويوسوس لأهلك، حتى يستخدمهم سلاحا ضدك، ويمنعهم من اللحاق بك في موكب الإيمان الحق، فلا تحزن، ولا تيأس، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ليصرف كيده عنك، وكن رفيقا رحيما بأمك، فإنها لو ذاقت طعم الهداية ما وقفت في طريقك، واستعن بالله تعالى في دعوتها، ونصحها، وأكثر من الدعاء لها بالهداية والرحمة، فلعلك توافق ساعة إجابة، فتقر عينك بإسلامهم وصلاحهم.
واعلم أنك لست وحدك في هذا الميدان، فهناك آلاف الناس ممن وفقهم الله لمعرفة الحق، واختيار الإسلام عن رضا وقناعة، وكثير منهم لاقى معارضة وصدودا من أهله، ثم شاء الله بالفتح، وجاء بالفرج، فأسلم البيت كله، بل العائلة كلها، وكان ذلك في ميزان حسنات الابن الموفق، نسأل الله أن يجعلك من هؤلاء وأن يسعدك بإسلام أهلك جميعا.
واعلم أن وجود المعارضة من البيت هو اختبار وابتلاء للمسلم، حتى يظهر صدق إسلامه، وقوة إيمانه، كما قال الله تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/١- ٣.
ومن نماذج المؤمنين الصادقين الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، كان برّاً بأمه، فلما أسلم امتنعت أمه عن الطعام والشراب، حتى يرجع عن دينه، فأبى رضي الله عنه، وثبت على إسلامه، ولم تجد أمه فائدة من إضرابها فعادت لطعامها وشرابها، ومما ورد في ذلك قوله رضي الله عنه: (يا أمّه , تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفسا ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي، وإن شئت لا تأكلي. فأكلت) .
انظر: "تفسير ابن كثير" (٣/٤٢٩) .
رابعا:
لقد عالج القرآن هذه المشكلة، لأنها كثيرة الوقوع، لا سيما في الجيل الأول الذي فارق الكفر، واعتنق الإسلام، ولاقى حربا شديدة من قبل الأهل والعشيرة وأقرب الناس، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/١٤- ١٥
فلا مجال لطاعة الوالدين في الكفر، بل لا جال لطاعتهما في المعصية، ولكن هذا لا يمنع من الإحسان إليهما، والقيام على شئونهما، وبذل الغالي والنفيس في سبيل هدايتهما، وهذا دليل على عظمة الإسلام، وأنه دين الرحمة والمحبة، لهذا يدعو أتباعه إلى هداية الناس وإدخالهم في النعمة التي دخلوا فيها.
خامسا:
من اختار طريق الهداية، فلا يلتفت إلى كلام الآخرين، ولا يتعجب من صدوره، فإنه أمر متوقع، وإلا فماذا سيقول عنك النصارى؟ هل سيقولون: إنك اهتديت، وعرفت الحق، وآثرته على الأهل والأقارب؟! الجواب: لا، لن يقولوا ذلك، فلا تلتفت لقولهم: خائن أو غير ذلك، وانظر إليهم بعين الشفقة والحرص على هدايتهم، وابذل الجهد حتى تتعلم وتصبح داعية تنتشلهم مما هم فيه من الضلال والانحراف.
وأما ظنُّ أمك أن المسلمين سيقولون: إنك تابع؛ لأنك ولدت نصرانيا، فهذا ليس صحيحا، بل سنقول: إنك أخ لنا , اخترت الهداية، ورجعت للفطرة التي ولدت عليها، فلقد ولدت على الإسلام والتوحيد، وعلماء النصارى يعلمون أن المولود يولد على الفطرة، ولهذا يسارعون إلى تعميد الطفل، ويعتقدون أنه إذا لم يعمّد سيكون مسلما! وهذا دليل على أن الأصل هو الإسلام، وأن الطفل لو ترك على أصله لكان مسلما.
وليس في الإسلام تبعية لأحد إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم , لأنه النبي الرسول الذي أمرنا باتباعه، وما عدا ذلك فالإسلام يربي أتباعه على الحرية والانعتاق من تسلط الكهنوت والأحبار والرهبان، ولا يحوج العبد إلى واسطة بينه وبين الله تعالى.
وأخيراً.. لقد قلت في سؤالك: إن صديقتك قبلت بإسلامك , وإنكما تخططان للزواج في المستقبل.
وهنا , لابد أن تعلم أن مِنْ حرص الإسلام على عفة أتباعه وطهارة قلوبهم أنه حرم على الرجال اتخاذ الصديقات , ولا يقر الإسلام علاقة بين رجل وامرأة من هذا القبيل إلا إذا كانت في نطاق الزوجية , فإن كانت صديقتك نصرانية , فعليك بدعوتها إلى الإسلام والحرص على هدايتها ففي ذلك خير كثير لكما إن شاء الله تعالى , فإن أبت فأخبرها أن الإسلام قد حرم هذه العلاقة التي بينكما , وأنك لن تقدم رضا أحد كائناً من كان على رضى الرحمن , فإما أن تتزوجا (ويجوز للمسلم أن يتزوج نصرانية) وإما أن تفترقا , إيثاراً لرضى الله سبحانه وتعالى.
وأهم ما نوصيك به هو الإحسان إلى أمك وأبيك وإخوانك وأقاربك، والرفق بهم، وتفهم ما يدور بمشاعرهم، وسؤال الله الهداية لهم، واختيار الوسائل الحكيمة لدعوتهم، ومن ذلك: الكلمة الطيبة، والهدية، والزيارة، ودعوتهم لزيارة المسجد، وإعطاؤهم الكتيب والشريط النافع.
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، ويوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب