للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من قام من فراشه ثم رجع إليه هل يعيد أذكار النوم؟

[السُّؤَالُ]

ـ[هل عندما أقرأ أذكار النوم يجب عليَّ إعادتها إن قمت من فراشي؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

شُرعت لنا أذكارٌ وأدعيةٌ نقولها قبل النوم، وهي متنوعة، كالتسبيح، والتحميد، والتكبير، وقراءة آية الكرسي، وأدعية وأذكار أخرى.

ولا يخلو الذي يقول هذه الأذكار والأدعية ثم يترك فراشه ويرجع إليه من أحوال ثلاثة:

الأولى: أن يغيب لفترة قصيرة، كشرب الماء، أو قضاء حاجة، ونحو ذلك.

الثانية: أن يغيب لفترة أطول من الأولى، فيأكل طعاماً، أو يستمع لشريط، أو يشاهد برنامجاً، أو يجلس مع ضيف.

الثالثة: أن يترك فراشه بقصد ترك النوم، وتأجيله لوقت آخر، وهذا له حالان:

١. أن يلغي قراره، ويرجع لفراشه، بعد فترة قصيرة.

٢. أن يستمر على قراره، وينشغل بأموره، وقد تطول الفترة حتى يرجع لفراشه.

أما الأحكام: فكما يلي:

أ. حكم الحال الأولى: أن غيابه لفعل ما ذكرناه من حاجات لا يلغي أذكاره السابقة، وبعض أهل العلم من المعاصرين يرى أن أذكاره تنقطع، وأن عليه إعادتها مرة أخرى إذا أراد فضلها، واستدل من قال بذلك بحديث الترمذي (إِذَا قَامَ أَحَدُكُم عَنْ فِرَاشِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْه ... ) ، والذي نراه أن هذا اللفظ لا يستفاد منه الحكم السابق لأسباب:

الأول: أن فيه قوله (ثمَّ) وهو يدل على فترة طويلة، وليس مجرد ترك الفراش لقضاء حاجة، أو شرب ماء، ويدل عليه الأمر بنفض الفراش، وهو ما لا يكون لغياب فترة قصيرة، كما هو ظاهر.

الثاني: أنه لو صلح اللفظ للفترة القصيرة: فإنه لا يقدَّم على الروايات الأخرى، والتي هي أضبط من حيث الرواية، فرواية عامة المحدثين – ومنهم البخاري ومسلم -: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلْيَقُلْ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) رواه البخاري (٥٩٦١) ومسلم (٢٧١٤) وغيرهما، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ الله عنْه.

وقد رواه الإمام أحمد بما يوافق رواية الترمذي مرة، وبما يوافق رواية الصحيحين أخرى، وهو يدل على عدم ضبط من بعض الرواة، فتقدَّم رواية الصحيحين على غيرها.

الثالث: وإذا قلنا بأن لفظ الترمذي مقبول، وقلنا بأن لفظ " ثم " لا يدل على فترة طويلة: فإننا نقول إن الحديث ليس فيه أنه يقول أدعية النوم مرة أخرى، بل فيه أنه ينفضه، ويذكر دعاءً بعينه، وهذا لا مانع منه، فأدعية وأذكاره النوم كثيرة، ولا حرج أن يقول بعضها إذا قام من فراشه ثم رجع إليه، وهذا لعله أسلم الأوجه في فهم رواية الترمذي، وأحمد.

وهذا الذي رجحناه من اكتفائه بالذكر الأول، هو ما يفتي به الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، فقد سئل:

بالنسبة لأذكار النوم المخصصة: هل أذكار النوم المخصصة في نوم الليل فقط؟ وهل إذا قام الإنسان من الليل لقضاء حاجة أو شرب ماء، هل يكرر ما يقوله من الأذكار؟ .

فأجاب: " الظاهر يكفيه إذا قاله عند أول ما ينام، يكفي، وإن كرر: فلا بأس، لكن السنَّة حصلت بالأذكار التي قالها، والدعاء الذي قاله عند النوم، أول ما نام.

وما كان مختصا بالليل وبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد المبيت: فهذا يختص بنوم الليل، وما لم يرد فيه التخصيص: فهذا عام في كل وقت من الأذكار، أما ما جاء فيه التخصيص أنه إذا أراد أن ينام ليلاً: فهذا يكون سنته في الليل إذا أراد أن ينام ليلاً " انتهى.

"فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم ٣٩٦، سؤال رقم ١٧) .

ب. وأما حكم الحال الثانية: وهو إذا ما طال الفصل بين قيامه من فراشه ورجوعه إليه: فالظاهر هنا أنه يعيد الأذكار والأدعية، وليس للطول حدٌّ معيَّن، لكن ما ذكرناه من أمثلة توضح المقصود.

وقد سئل الشيخ عبد المحسن العباد – حفظه الله -:

أحياناً آتي بأذكار النوم، ثم أقوم من فراشي قبل النوم لأمر عارض، وقد تطول المدة، هل أعيد الأذكار؟ .

فأجاب: " إذا كان شيئاً عارضاً، أو مدة قصيرة: فلا يؤثر، لكن إذا طالت، وصارت مسافة طويلة: فكونه يعيد الأذكار وأنه ينام عليها: لا شك أن هذا هو الأولى " انتهى.

"شرح سنن الترمذي" (شريط / رقم ٣٧٦) .

ج. وأما حكم الحالة الثالثة:

فإذا نوى المسلم الانفصال عن فراشه بقصد ترك النوم: فإنه يحتاج لإعادة الأذكار والأدعية إذا عاد لفراشه، طالت المدة، أو قصرت.

ويشبه هذه الأحكام: أحكام الخروج من المسجد، وإعادة صلاة تحية المسجد، وما ذكرناه في صور النوم وأحكامه ينطبق على هذه المسألة، سواء بسواء.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " الذي يخرج من المسجد، ويعود عن قرب: فلا يصلِّي تحية المسجد؛ لأنه لم يخرج خروجاً منقطعاً، ولهذا لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خرج لبيته لحاجة وهو معتكف، ثم عاد أنه كان يصلي ركعتين.

وأيضاً: فإن هذا الخروج لا يعد خروجاً، بدليل أنه لا يقطع اعتكاف المعتكف، ولو كان خروجه يعتبر مفارقة للمسجد: لقُطع الاعتكاف به، ولهذا لو خرج شخص من المسجد على نية أنه لن يرجع إلا في وقت الفرض التالي، وبعد أن خطا خطوة رجع إلى المسجد ليتحدث مع شخص آخر، ولو بعد نصف دقيقة: فهذا يصلي ركعتين؛ لأنه خرج بنية الخروج المنقطع " انتهى.

"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (١٤/٣٥٣) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>