للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خيره صاحب العمل بين تخفيف اللحية أو ترك العمل

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا أعمل في شركة وصاحب العمل طلب مني تخفيف اللحية (وليس حلاقتها) أو ترك العمل مع العلم بأنه يسمح لي بالصلاة في المسجد في أوقاتها دائما فما حكم تخفيف اللحية؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

حلق اللحية محرم، وكذلك تقصيرها وتخفيفها؛ لما ورد من الأدلة على وجوب إعفائها وتركها.

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (٥/١٣٣) : " حلق اللحية حرام لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة والصريحة والأخبار ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار، فمن ذلك حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب) وفي رواية: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى) وفيه أحاديث أخرى بهذا المعنى، وإعفاء اللحية تركها على حالها، وتوفيرها إبقاؤها وافرة من دون أن تحلق أو تنتف أو يقص منها شيء، وحكى ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، واستدل بجملة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق وبحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) صححه الترمذي قال في الفروع وهذه الصيغة عند أصحابنا - يعني الحنابلة - تقتضي التحريم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة؛ لأن مشابهتهم في الظاهر سببٌ لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة بل وفي نفس الاعتقادات، فهي تورث محبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى) الحديث، وفي لفظ: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد. ورَدَّ عمرُ بن الخطاب شهادة من ينتف لحيته.

وقال الإمام ابن عبد البر في التمهيد: " يحرم حلق اللحية ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال " يعني بذلك المتشبهين بالنساء، (وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية) رواه مسلم عن جابر، وفي رواية: (كثيف اللحية) ، وفي أخرى: (كث اللحية) والمعنى واحد، ولا يجوز أخذ شيء منها لعموم أدلة المنع " انتهى.

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من يساوي لحيته يجعلها متساوية مع بعضها البعض؟

فأجاب: " الواجب: إعفاء اللحية، وتوفيرها، وإرخاؤها، وعدم التعرض لها بشيء؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) متفق على صحته، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وروى البخاري في صحيحه رحمة الله عليه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين) وروى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)

وهذه الأحاديث كلها تدل على وجوب إعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها، وعلى وجوب قص الشوارب. هذا هو المشروع، وهذا هو الواجب الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام وأمر به، وفي ذلك تأس به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضي الله عنهم، ومخالفة للمشركين، وابتعاد عن مشابهتهم وعن مشابهة النساء.

وأما ما رواه الترمذي رحمه الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها فهو خبر باطل عند أهل العلم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تشبث به بعض الناس، وهو خبر لا يصح؛ لأن في إسناده عمر بن هارون البلخي وهو متهم بالكذب. فلا يجوز للمؤمن أن يتعلق بهذا الحديث الباطل، ولا أن يترخص بما يقوله بعض أهل العلم، فإن السنة حاكمة على الجميع، والله يقول جل وعلا: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) ويقول سبحانه: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ويقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (٤/٤٤٣) .

ثانيا:

لا يجوز لصاحب العمل أن يأمرك بتخفيف لحيتك؛ لأنه أمر بالمعصية كما سبق، وليس لك أن تطيعه، بل الواجب عليك أن تصبر وتصابر، وتبين له الحكم الشرعي، فإن أصر على رأيه، وكان إعفاؤك للحية يعني ترك العمل، فيُنظر في حالك وعملك، فإن كنت تجد عملا غيره، فاترك العمل، ابتغاء مرضاة الله تعالى، وإن لم تجد عملا آخر، فنرجو أن تكون معذورا في التخفيف من لحيتك؛ لما تقرر عند أهل العلم من جواز ارتكاب المحرم عند الضرورة والحاجة الشديدة، على أن تقتصر على أقل ما يمكن من التخفيف الذي يرضى به صاحب العمل، قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/١٦

وراجع السؤال رقم (٧٠٣١٩)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>