متزوج بخالته من الرضاع
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى وقت ليس ببعيد كان يوجد في بلدنا إماء وقد حدثت هذه المسألة ونريد معرفة حكمها في الشرع. رجل له زوجة اسمها آمنة، وله أَمَة اسمها سعدية. أرضعت آمنة (الزوجة) بنتاً اسمها زينب، وأنجبت الأمة (سعدية) بنتاً اسمها حليمة. تزوجت البنت (حليمة) وأنجبت ولداً اسمه علي، وكبر وتزوج من زينب (التي رضعت من آمنة) . مرَّ على زواجهم سنين، وله منها أولاد وبنات.
السؤال: ما حكم هذا الزواج؟ وهل يجوز لي عدم إخبارهم إذا كان هذا الزواج غير شرعي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن من أحكام الرضاعة أن لبن المرضعة يؤثر في الرضيع وأولاده، فلو رضع زيدٌ من فاطمة فإن زيد وأولاده يعتبرون أولاداً للمرضعة (فاطمة) أما إخوانه فلا علاقة لهم بالمرضعة.
وأما من جهة المرضعة فإن الرضاع ينتشر من جهتها فكل من له قرابة بالمرضعة فإنه يكون قريباً لمن رضع منها، فزوج المرضعة يعتبر أباً من الرضاعة للرضيع، وإخوانها أخواله من الرضاعة وأبواها أجدادٌ للرضيع، وإذا كان زوجها متزوجاً بأخرى فهذه المرأة تعتبر زوجة والدهم بالرضاعة وأولاده منها إخوانه من الأب بالرضاعة ... وهكذا؛ لما روى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ لا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِي؟ .. عَمُّكِ.
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ.
فَقَالَ ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ.
قَالَ عُرْوَةُ فَلِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا تُحَرِّمُونَ مِنْ النَّسَبِ " رواه البخاري ٤٧٩٦ ومسلم ١٤٤٥
فهذا الحديث دليل على ثبوت الأبوة من الرضاعة وأن زوج المرضعة يعتبر أباً للرضيع من الرضاعة، ووجهه: أن زوجة أبي القعيس أرضعت عائشة، فصارت أماً لها وصار زوجها أباً لها من الرضاعة وإخوانه أعمام عائشة من الرضاعة ولهذا قال أخو أبي القعيس لعائشة: " أتحتجبين عني وأنا عمك " رواه البخاري ٣٦٤٤. فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على أنه عمٌ لعائشة بقوله: " ائذني له فإنه عمك تربت يمينك ".
انظر المغني مع الشرح الكبير (٩/١٩٩) والموسوعة الفقهية (٢٢/٢٤٨)
وفيما يتعلق بالمسألة المذكورة في السؤال فبيانها كالتالي:
البنت (زينب) التي رضعت من الزوجة (آمنة) تعتبر بنتاً لها من الرضاعة، وكذلك بنتاً للزوج من الرضاعة، فالزوج والدها من الرضاعة إذا كانت الرضاعة خمس رضعات أو أكثر حال كون الرضيعة عمرها أقل من سنتين، وبناءً عليه فإن بنت الزوج (حليمة) من أمته (سعدية) هي أختٌ لزينب من الأب من الرضاعة، وأولاد حليمة – ومنهم علي – محارم لزينب لأنها خالتهم من الرضاعة، فلا يصح زواجهم منها.
وكونك ذكرت في السؤال أن علي قد تزوج من زينب فإن هذا باطل ويجب أن يفارقها مباشرة لأنه يُعتبر متزوجاً بخالته من الرضاعة.
وأما الأولاد الذين ولدوا بسبب هذا الزواج فهم أولاد شرعيون ينسبون إلى والدهم (علي) . لأن هذا الوطء يعتبر وطء شبهة والوطء بشبهة يلحق به النسب كما قال بذلك أهل العلم.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز سؤالاً نصه: " رضعت من امرأة ثم تزوج زوجها من أخرى وأنجبت زوجته الثانية أبناء فهل هم إخوة لي؟
فأجاب: " إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر وكان اللبن منسوباً للزوج لكونها أنجبت منه فهم إخوة لك من أبيك من الرضاع ". فتاوى إسلامية ٣/٣٢٣
وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله مسألة مشابهة هذا نصها:
" السؤال: ظهر لي بعد الدخول بزوجتي أنها أختي من الرضاع، لأني رضعت مع أختها، فهل تحرم علي في مثل هذه الحالة؟
الجواب: نعم.. إذا كان الأمر كما قلت، وأنك رضعت مع أخت الزوجة من أمها بمعنى أنك رضعت من أم الزوجة أو من زوجة أبيها فإنك في هذه الحالة تكون أخاً، ويكون العقد باطلاً، لكن يجب أن تعرف أن الرضاع لا أثر له إلا أن يكون خمس رضعات فأكثر في الحولين قبل الفطام، فإذا كان أقل من ذلك فلا أثر له ولا يحصل به التحريم.
فإذا تيقنت أنك رضعت من أم المرأة التي تزوجتها خمس رضعات فأكثر في الحولين فإنه يجب الفراق بينكما لعدم صحة النكاح، وما حصل من الأولاد قبل العلم فإنهم ينسبون إليك شرعاً، لأن هؤلاء الأولاد خلقوا من ماء بوطء في شبهة والوطء بشبهة يلحق به النسب كما قال بذلك أهل العلم." أ. هـ فتاوى إسلامية ٣/٣٢٩
ويجب عليك إخبارهم بذلك قياماً بحقهما عليك في النصح، وإنكاراً للمنكر، لأن إقراراهم على هذا الزواج الباطل من المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه ... ) رواه مسلم.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب